بسم الله الرحمن الرحيم
الطريقة الصوفية الرحمانية
" يمكن أن نقول بأنها أهم الطرق وأكثرها شعبية، في كل القطر الجزائري. إن لها طابعا وطنيا. ويبين لنا التاريخ أن رؤساء الرحمانية كانوا في غالبية الانتفاضات ، وخاصة في الانتفاضة الكبرى سنة1871 التي قادها زعيم هذه الطريقة: الشيخ محمد أمزيان بن الحداد ."
غير أن هناك عوامل أخرى لا تقل أهمية عن هذا كانت سببا لانتشارها عبر كافة أنحاء الوطن منها:
ـ التزامها بما جاء في الكتاب والسنة في أورادها وأذكارها خاصة . حتى صار الأتباع يطلقون عليها : "الطريقة العلمية" .
ـ سهولة هذه الأوراد والأذكار.
محمد بن عبد الرحمن القجطولي الأزهري
هو سيدي محمد بن عبد الرحمن القجطولي الأزهري ، من عائلة شريفة ينتهي نسبها إلى سيدي إدريس ، قدمت من الساقية الحمراء واستقرت بآيت إسماعيل؛ مسقط رأسه . بدأ دراسته في زاوية الشيخ ابن أعراب في آيت إراثن ليتحول بعدها إلى الجزائر العاصمة حيث أتم دراسته هناك.
وفي حدود سنة 1152هـ1740م أم بيت الله الحرام حاجا. وفي طريق عودته إلى الجزائر انتسب إلى الأزهر الشريف، وتلقى العلم هناك عن علماء أجلة . ومن هنا كانت تسميته بالأزهري.
انتسب إلى الطريقة الخلوتية بزاوية سيدي الدمرداش ، فصار من أحب مريدي الشيخ الحفناوي إليه. تنقل مرشـدا بإذن شيخه في مواطن كثيرة ، ولكن رحلته إلى السودان كانت أطول.
أذن له شيخه بالعودة إلى الجزائر لنشر الطريقة الخلوتية بها في حدود سنة1180هـ
عاد إلى مسقط رأسه آيت إسماعيل . وشرع في نشر العلم ، والدعوة إلى الطريقة الخلوتية، فتجمع حوله خلق كثير ، وصار له أتباع. وذلك على الرغم من المعارضة التي عاناها من أقرانه .
انتقل بعدها إلى الحامة؛ بالجزائر العاصمة ليدرس ويدعو إلى الطريقة هناك ، فازداد أتباعه، مما أقلق السلطة العثمانية التي ألبت عليه أقرانه، وحوكم ليبرأ .
عاد إلى زاويته بآيت إسماعيل ، ليلقى ربه هناك بعد أشهر قليلة من عودته ؛ في حدود سنة 1208هـ1794م بعد أن أعطى الطريقة التي نذر لها حياته اسم ّ"الطريقة الرحمانية".
كيف انتسب الأسـتاذ سيدي محمد ابن ابي القاسم إلى الطريقة الرحمانية؟
إن التوجه الصادق بالعبادة إلى الله رب العالمين سمة من أوتي علما أدرك به الحقائق ، وعرف طريق الهجرة إلى الله.
وما أكثر ما عقد الأستاذ العزم على السفر بحثا عن مرشد يأخذ بيده في طريق هجرته ، وفي كل مرة حال أهل قريته دون مبتغاه، محببين إليه المكوث بينهم ‘ عسى يقيض الله فرصة أو نفحة أو مرشدا عارفا ، غير بعيد منهم.
جد في البحث عمن يوفر لنفسه الصفاء، ولبصيرته الجلاء، ويعينه على استكمال الإحسان لبلوغ المرام .ولما أراد الله أن يتم نعمته عليه ، ويستجيب دعاء أقوام خدمهم بصدق نية ، وعلم أبناءهم هيأ الأسباب لذلك ، فاتصل بالشيخ المختار بن عبد الرحمن بن خليفة الجلالي ، وهو رجل صالح أخذ العلم من مضانه ، وراض نفسه ، وسلك الطريق على أيدي أحد الرجال الكمل ، الذين خدموا الشريعة والحقيقة ؛ الشيخ سيدي علي بن عمر .
والذي ينبغي أن نعرفه هو أن الأستاذ سيدي محمد بن أبي القاسم قد اتصل بشيخه المختار بن عبد الرحمن بن خليفة قبل أن يلتحق بمقامه المعمور بأولاد جلال
ولعل المراسلة كانت السبب الأول لربط العلاقة الوثيقة بين الرجلين . بل هذا ما تعضده رواية شفوية ملخصها أن أحد مريدي الشيخ المختار طلب إلى الأستاذ أن يكاتب الشيخ المختار ليبلغه سلامه وتحيته ، يقال أن الشيخ أعجب برسالة سيدي محمد بن أبي القاسم ، فأجاب عنها واستمرت المراسلات.
والمهم أن الأستاذ تعلم في زوايا صوفية ، أساتذتها أتباع الطريقة الرحمانية، من أسانيده العلمية من يمر بالشيخ محمد بن عبد الرحمن الأزهري وهو شيخ الطريقة الرحمانية . فلا غرابة أن ينتمي إلى هذه الطريقة. على يدي واحد من مشايخها المبرزين.
لازم شيخه سيدي المختار ملازمة الظل إلى أن تزكت نفسه ، واستكمل ما لدى شيخه من علوم ، وأوصى إليه قبل وفاته أن يتولى أمر الزاوية إلى أن يبلغ أولاد الشيخ أشدهم فيقووا على تحمل أعباء الزاوية.
يتعرض الأستاذ لهذا الأمر في سيرته فيقول:
" وبأول سنة 1273هـ انتقلت بنفسي إلى قطب وقته ، وكهف أوانه، مربي المريدين ، ونبراس السائرين، ودستور الواصلين، الجامع بين علم المعقول والمنقول ،شيخنا وقدوتنا ومولانا ومالك عتقنا ؛ سيدي المختار بن عبد الرحمن نجل البركة سيدي عبد الرحمن بن خليفة ، بزاويته المعلومة بأولاد جلال ؛ إحدى قرى الزاب . فأخذت عنه أوراد الرحمانية، ولازمت الشيخ المذكور من سنة 1273هـ إلى أول سنة 1278هـ فتوفي فاتح السنة بعدما أجازني في إعطاء أوراد الطريقة الرحمانية ، فتقبلت ما أجازني به ، وتوفي وهو عني راض ، أسكنه الله الفردوس الأعلى من الجنان.
وكان يحبني أكثر من محبة أولاده من صلبه، وأقمت بالزاوية بعد وفاته ، ما يقرب من تمام السنة ، وبأول سنة 1279هـ رجعت إلى بلادي؛ قرية الهامل .ّ"
وقال الذين عرفوه بالمقام المختاري : ما وصل الأسـتاذ هذه الدرجة ، واستحق هذه الحضوة إلا بالتواضع وحسن الخلق ، كما أنه كان قدوة لغيره في صبر النفس على المكاره ، والعزوف عن شهوات النفس والملذات . ولقد أظهر من الاستقامة ما أمال إليه قلب شيخه، حتى صار أقرب إلى قلبه من أبناء صلبه.*