بسم الله الرحمن الرحيم
الطريقة الصوفية النقشبندية
أسسها محمد بهاء الدين البخاري الشهير بنقشبند ، الذي تتلمذ على الشيخ محمد بابا السماسي في القرن الرابع عشر للميلاد ، وكانت تسمى في البداية الصديقية نسبة إلى الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وتنتشر حالياً في بلاد فارس وتركستان وقازان وتركيا وبلاد الشام .
فلسفة ومنهاج الطريقة :
وتعنى هذه الطريقة بالحضور الدائم في حضرة الحق سبحانه وتعالى ، وترسيخ العقيدة الإسلامية وعقيدة أهل السنة والجماعة ، وقد وصفها أحد كبار المتصوفة بقوله : هي طريقة الصحابة الكرام على أصلها لم يزيدوا ولم ينقصوا ، وهي عبارة عن دوام العبودية ظاهراً وباطناً بكمال الالتزام بالسنة والعزيمة ، وتمام اجتناب البدعة والرخصة في جميع الحركات والسكنات . .
وقال آخر بحق التصوف النقشبندي : أنه معتدل ووسط ، وأهم ما يلفت في هذه الطريقة هو السكون والبعد عن الصراخ والاعتماد على الترانيم والسماع الذي لا يخلو من الرياء .
والذاكر في الطريقة النقشبندية يجلس طاهراً مستقبلاً القبلة بعد الصلاة ، ملصقاً لسانه بالفك الأعلى حتى لا ينصرف القلب مع حركة اللسان ، ويذكر السالك الله في قلبه .
وتسلك النقشبندية في تربية مريديها منهج الصحبة ، أو الذكر ، ويرى الشيخ عبد الغني النابلسي ، أن الصحبة أتم وأكمل للمريد ، وأن شيخ الصحبة أقوى وأسرع تأثيراً من شيخ الذكر ، والذكر إما أن يكون منفرداً أو مع شيخ أو مع الرفيق أو الرفقاء سراً بالقلب مع المراقبة للمذكور وهو الله سبحانه وتعالى أثناء الذكر ، وعدم الغفلة عنه باشتغال القلب بما سواه .
والذكر يكون أولاً بالتلقين من الشيخ للمريد ، وبالتلقي الصامت من قلب المريد ، وقد ألزم الشيخ نقشبند أتباعه الذكر في الخفاء ، وهي أن يحبس المريد أنفاسه تماماً ويذكر الكلمة الطيبة ، وهي لا إله إلا الله ، قدر ما يسعه النفس العميق ، ويجتهد أن يكون وقوفه وإخراج نفسه على وتر من الذكر ، ثم مناجاة الله تعالى عقب كل دورة من دورات الذكر القلبي ، حيث يقول المريد : إلهي أنت مقصودي ولا سواك معبودي ، ثم تأتي الرابطة التي هي المنهج الثالث من مناهج السلوك النقشبندي ، ومعناها ربط المريد قلبه بالشيخ الكامل ، الذي وصل بروحه وقلبه إلى مقام المشاهدة ، وتحقق في نفسه بالصفات الذاتية المنسوبة إلى ذات الله تعالى ، من غير كيف ولا كيفية ، على التنزيه المطلق ، بحيث اضمحلت صفاته في صفات الحق جل وعلا ، وانمحقت هويته في هوية الحق سبحانه وتعالى مضاء يسمع به ويبصر به ، كما ورد في حديث المتقرب بالنوافل .
ترجمة صاحب الطريقة :
هو الشيخ محمد بهاء الدين البخاري الشهير بنقشبند ، ونقشبند كلمة فارسية معناها النقاش ، أي أنه كان ينقش في قلوب مريديه ، وليس صحيحاً بأن أجداده كانوا ينقشون الحجر كما ذكرت بعض الروايات .
ولد الشيخ نقشبند في شهر محرم من سنة 717 هجرية في قصر العارفان ، درس الفقه وحفظ القرآن الكريم وهو صغير السن ، وعندما بلغ نحو ثماني عشرة سنة من عمره أرسله جده الذي كفله بعد وفاة والده إلى مدينة تماس ليتتلمذ على الشيخ الصوفي محمد بابا السماسي ، فأخذ عنه أسس التصوف والسلوك إلى الحق سبحانه وتعالى . وبعد وفاة السماسي انتقل الشيخ محمد بهاء الدين إلى سمرقند ، حيث صحب هناك عدداً من مشايخ صوفية ذلك العصر وعلى رأسهم عارف الدين عراني الذي صحبه سبع سنين ، ثم رحل إلى بخارى ، ودرس على كبار فقهائها وعلمائها .
بعد ذلك حج ثلاث مرات ، وفي المرة الأخيرة مر بمدينة مرو ، وأقام فيها عدة سنوات ، ثم انتقل إلى بخارى ، وأقام في قصر العارفان ، وبدأ يجمع حوله المريدين ويلقي عليهم دروسه ومواعظه . . .
الانتشار ومناطق النفوذ :
انتشرت النقشبندية في العديد من مناطق العالم الإسلامي ، وكان لها دوراً فاعلاً ، وخاصة في شمال القوقاز . . حيث حارب الشيخ شامل شيخ الطريقة في هذه المنطقة مع مريديه وأتباعه القوات الروسية الغازية لبلادهم في بدايات القرن التاسع عشر ، وانتصرت عليها في أكثر من معركة .
وعندما تمكنت روسيا من السيطرة على شمال القوقاز ، وخاصة الشيشان وداغستان في عام 1813 ، حيث سطرت روسيا بالقوة على الشيشان فيما تنازلت الدولة الفارسية لروسيا عن داغستان بعد أن كانت تحت سيطرتها . انفجرت في وجهها الثورة التي تزعمها أتباع النقشبندية وشيوخها .
وقد شهدت الشيشان بشكل خاص ، والقوقاز بشكل عام ، العديد من الثورات المضادة للحكم الروسي ، كان أبرزها التي فجرها الصوفي الشاب شامل باساييف في عام 1996 . . حيث تمكن من دحر القوات الروسية ، وأصبحت الشيشان تتمتع بالاستقلال وتتعامل مع روسيا نداً لند ، حيث تم انتخاب رئيس لجمهورية الشيشان هو أصلان ماسخادوف . لكن الأمر لم يدم طويلاً . . ففي عام 1999 تذرعت روسيا بأحداث افتعلتها لتعيد مهاجمة الشيشان واحتلالها من جديد .