الحيالي خمروي مشرف
عدد الرسائل : 3119 العمر : 55 الموقع : منتدى دولة الفقراء العمل/الترفيه : اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك المزاج : هادئ تاريخ التسجيل : 17/11/2010
| موضوع: الحكم التعليمية من تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم 2011-03-07, 9:42 am | |
| الحكمة من تعدد زوجات النبي –صلى الله عليه وسلم- :- ذكرنا سابقاً أن الإسلام لم يكن أول دين يبيح الزوجات ، وتعدد زوجات النبي –صلى الله عليه وسلم- وتحطيه عدد الأربع لحكم كثيرة نورد منها:-
1-الحكم التعليمية:
قد كان من أهم الغايات لتعجج زوجات النبي –صلى الله عليه وسلم- هي نشر الدعوة بين صفوف النساء ونقل أخباره- صلى الله عليه وسلم- خاصة فيما يتعلق بعشرة النساء وفقههنَّ والإحسان إليهنَّ والرحمة بهنَّ، هذا بالإضافة إلى إظهار حقوقهنَّ وكرامتهنَّ –بعد أن كانت مُضيعة الحقوق منبوذة في الجاهلية- وذلك بتخريج بضع معلمات النساء يعلمنهنَّ الأحكام والتكاليف- فالنساء نصف المجتمع أو ربما يزدنَّ على النصف- وقد كانت زوجاته- صلى لله عليه وسلم- سيدات في أقوامهنَّ وصاحبات سيرة حسنة، مختلفات الأعمار والمواهب ومتشعبات البطون- وقد كانت الكثيرات من نساء المسلمين يستحيين من سؤال الرسول- صلى الله عليه وسلم- سؤالاً مباشراً عن بعض الأمور الشرعية، وخاصة المتعلقة بأمورهنَّ، كأحكام الحيض والنفاس والجنابة والأمور الزوجية... وغيرها من الأحكام. مثاله ما رواه(( سفيان بن عيينة عن منصور بن صفية عن أمه عن أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها-قالت:سألت امرأة النبي-صلى الله عليه وسلم- كيف تغتسل من حيضتها؟ قال: فذكرت أنه علمها كيف تغتسل،ثم تأخذ فِرْصَةً- قطعة من قطن أو صوف أوخرق-من مسك فتطهر بها، قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: تطهري بها، سبحان الله، واستتر- وأشاء لنا سفيان بن عيينة بيده على وجهه- قال: ،قالت عائشة: واجتذبتها إلي عرفت ما أراد النبي، فقلت تتبعي بها أثر الدم، وفي رواية فقلت: تتبعي بها آثار الدم ))..متفق عليه ولقد صرحت لها أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها- بالمكان الذي تضعها فيه- ومعلوم أن رسولنا الكريم –صلى الله عليه وسلم- كان حتى مع الرجال(( أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئاً عرفناه فى زجهه)) متفق عليه.. فهل كان يصح أن يصرَّح مع امرأةليعلمها كيف تتطهر من دم الحيض كما صرحت أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها؛وكذلك حديث (( أم المؤمنين أم سلمة- رضي الله عنها –قالت: جاءت أم سليم-رضي الله عنها- إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقالت: إنَّ الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا اتحتلمت؟ قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: إذا رأت الماء، فعطت أم سلمة- تعني وجهها- وقالت: يارسول الله، وتحتلم المرأة؟ قال : نعم ، تربت يمينك، بما يشبهها ولدُها ؟))متفق عليه.. وهكذا مثل هذه الأسئلة المحرجة كان يتولى الجواب عنها فيما بعد زوجاته الطاهرات – رضي الله عنهنَّ جميعاً، وقد جعلهن الله أمهات للمؤمنين... والأم يسير على هديها أبناؤها...ويهتدي بفعلها أولادها وأحفادها. ومن المعلوم أن السنة المطهرة ليست قاصرة على قول النبي –صلى الله عليه وسلم- فحسب، بل هى تشمل قوله... وفعله.... وتقريره... وكل هذا من التشريع الذي يجب على الأمة اتباعه؛ إذاً فمن ينقل لنا أخباره وأفعاله وتقريراته في بيته ومع نساءه غيرهنَّ –صلى الله عليه وسلم- وقد ذكرنا سابقاً كيف نقلت أمهات المؤمنين الكثير من هدي نبينا وسنته- صلى الله عليه وسلم. ونود أن نؤكد أن جميع أن زوجات النبي-صلى الله عليه وسلم- قد أختارهنَّ الله تبارك وتعالى له من نوعيات معينة من النساء يملكنَ قدرات عقلية خاصة تستطيع الوفاء بهذا العمل العظيم وإلا لما أمرهنَّ سبحانه وتعالى بقوله: ((وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا)) يؤكد قوله جل وعلا: ((يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء..)) فلأنهنَّ لسنَ كسائر النساء كلفن بحفظ ما يتلى فى بيوت النبي –صلى الله عليه وسلم- من القرآن والسنة ليصبحن مرجعاً للصحابة... بل وللأمة كلها... حتى حينما تحتلط الروايات على صحابة النبي –صلى الله عليه وسلم.. كذلك من الحكم الغاليات في هذا الباب تعلم أمته منه- صلى الله عليه وسلم- في كيفية العدل بين الزوجات؛ فالناس في كل زمان ومكان يرون العدل بين النساء – عسيرا إن لم يكن مستحيلاً!!- وذلك نظراً لاختلاف وسائل الإغراء والغواية في كل منهن ،واختلافهنَّ في القدرة على جذب قلب الرجل- فيعجز الرجل عن العدل بينهنَّ-ويمعن فى الظلم إذا كان هناك فارق بعيد في أي موهبة أنثوية ظاهرة كانت أم خفية، ثم لا يجدون سبيلاً إلى الحياة السعيدة في ظل التعدد.. وتخفق مساعيهم إلي تحقيق المقاصد الشرعية للزواج... لهذا نصب الله –جل وعلا وهو الحكيم الخبير- للأمة جميعاً مثالاً واقعياً من المواهب الراقية السامية – وهو رسول محمد- صلى الله عليه وسلم- ليثبت للبشرية كلها أن العدل عمل ميسور بين تسع نساء،لا بين اثنتين أو ثلاث أو حتى أربعِ فحسب. ولو كانت زوجات الرسول- البشر الكامل- صلى الله عليه وسلم- أربعاً كما هو محلل لسائر الأمة لقال قائل: إذا قدر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على العدل بين الأربع فنحن أضعف منه وأقل صبراً-فإن عجزنا فلنا عذرنا- لكن الله تبارك وتعالى- الحكيم الخبير- أراد أن ترى الأمة كلها.... بل العالم بأسره أن العدل النبوي قام بين التسع وليس أربعة، إذاً فلن يعجز إنسان عن العدل بين الأربع بل وبين ثلاث واثنتين. والعدل النبوي بين الزوجات كان محققاً في النفقة والمبيت وحسن المعاشرة، وليس معنى هذا أن قلبه كان يميل إلى كل منهنَّ بالدرجة التي يميل بها نحو الأخرى، فقد كان- صلى الله عليه وسلم- ((يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)) صححه الألباني فى المشكاة... ولكن الأمر الذي لا يحتاج إلى نقاش هو إعفاف كل منهنَّ بالمعاشرة الزوجية.. وطيب خاطرها بالمعاملة الحسنى.... ولكي يكون المسلم مقتدياً بالرسول- صلى الله عليه وسلم- في العدل لابد أن يكون مقتدياً به فى سائر الشئون- ومن لا يعدل مع نفسه ل يستطيع أن يعدل مع غيره- ولن يعدل المسلم مع نفسه إلا باتباع الرسول-صلى الله عليه وسلم- في كل شأن من شئون حياته- فهذه السيرة هى العدل ولا عدل في غيرها- ول يستطيع إنسان أن يدعي العجز عن اتباع الرسول – صلى الله عليه وسلم- في كل شئ،فالله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، وهو القائل: ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا..)سورة الأحزاب21... وقال التابعي الصالح أبو مسلم الخولاني-رحمه الله-: أقام الله أبا بكر وعمر حجة على من قال لا أستطيع أن اتبع سنة الرسول كلها.. ولا يفوتنا أن ننبه إلى أن العدل في بيت الزوجية لا سيما إذا تعددت الزوجات أمر يحتاج إلى نماء في المواهب والقدرات الإنسانية، فلكي يكون المرء عادلاً مع نفسه ومع غيره لابد أن تنمو فيه مواهب جهاد النفس ومغالبة الهوى مع التخلق بخلق الإيثار واللطف والحلم ليتحمل عوج المراة بصبر وواقعية، كريماً يجود بما في يده، مؤمناً قوياً في إيمانه ليدعو أهل بيته جميعاً إلى الإيمان بجميع شعبه. والرسول –صلى الله عليه وسلم- علمنا من خلال حياته الزوجية المتعددةكيف يكون التعامل مع شهوات النفس ومع الله في وقت واحد دون إبطاء ولا أناة (( فمما روته عنه أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- لمَّا سألت: ما كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يَصنعُ في بيته؟ قالت: كان يكونُ في مهنةِ أهله- تعني خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاةُ خرجً إلى الصلاة)) وفي رواية: ((فإذا سمع الأذان خرج)) رواه البخاري.. أي أنه كان ينخلع فجأة من حالة نفسية فيها أنس ومشاركة في البيت إلى حالة روحية سامية تصله بالغيب في لمح البصر... فلا يكاد يعرف أحداً ولا يعرفه أحد.. وهذا تعليم واجب الاتباع مع وعي ما فيه من تدريب على نماء وجدان الروح الغيبي وسلطانه على النفس،ولقد حوَّله الرسول- صلى الله عليه وسلم- هذا المبدأ التعليمي إلى سلوك واقعي، بينما عجز الناس إلا عن ترديده بالألسنة، والفخر به بين معالي تراث الإسلام الأخرى، أقول عجز الناس إلا قليلاً عن تحويله إلى سلوك وهم يعاشرون زوجة واحدة... فإذا عاشروا اثنتين فهم أعجز...وحجتهم قي ذلك أن الله زين شهوة النساء للناس فما يستطيعون عنها براحاً إلا بضروب من الجهاد والتردد،ولكن قيام الرسول –صلى الله عليه وسلم- بهذه التبعة العظمى على وتيرة واحدة وهو يعاشر تسعاً من النساء! هو المثل الأعلى والحي بحق الأمة... والدليل الأمثل على عظمة الرسول –صلى الله عليه وسلم-فلا البكر... ولا الشابة... ولا البدينة...ولا النحيلة... ولا أي لون من ألوان الجمال التسعة صرفه عن مذهبه... وهو سرعة التحول من متاع النفس إلى رحاب الغيب إذا نادى الله. والناس كذلك يضطربون أيما اضطراب في حياتهم الزوجية إذا حزبهم أمر أو أصابتهم مصيبة من فاقة أو غير ذلك.. فما يلبثون أن يستسلموا إلى ضرب من اليأس والخمول.. أو إلى طريق من طرق الحرام..!! هكذا يكون الكثير من الناس مع الزوجة أو اثنتين إلى أربع، حيث بلغ يبلغ الإنسان ذروة التردي في التخليط بين الحلال والحرام مع الرزق على أحسن الأحوال، ولكن الرسول –صلى الله عليه وسلم- وهو يعول تسعاً من أمهات المؤمنين- رضي الله عنهم أجمعين- متجاوزاً بذلك طاقة أفراد الأمة التى شرعها الله في الأربع من الزوجات حداً أعلى لقدرة الإنسان القوي الأمين على تفتيش أساليب رزقه ونتائجها وتنقيتها من الحرام، أو قل على التوكل الحق على الله وهو يمارس ما كتبه الله له من الأعمال... هذا الرسول العظيم على هذا الحال كان كذلك مثلاً عاليا ورفيعاً لسلوك الإنسان الذي يضطرب لفائقة ولا يجزع من ضيق... فمما هو ثابت عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه(( كان إذا حزبه أمر يصلى)) صحيح الجامع.. كما هو شأن رسل الله جميعاً ((فقد كانوا إذا فزعوا فزعوا إلى الصلاة )) السلسلة الصحيحة.. فكأن الرسل جميعاً- على نبينا وعليهم الصلاة والسلام-كانوا يمنون بأن المزيد من نوافل الصلاة علاج مؤكد للنوازل والفقر-التي يمحص الله بها إيمان الناس- ولم يبعد رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم- عن منهج القرآن الكريم حين يخاطبه ربه جل وعلا قائلاً: ((وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)) سورة طه132... والسر في ذلك إخواني الكرام ربما يرجع إلى أن الإنسان محكوم بقوانين الله التي لا تتبدل ، وقد طالب الله عباده المؤمنين بعبادته وضمن لهم أرزاقهم باليسير من السبب وأقسم على هذا الطمان ، ولكن الإنسان عكس القضية فاشتغل بما ضمنه الله وأقسم عليه وأهمل ما طلبه منه، فكأن بذلك السلوك شاك في ضمان الله قسمه.. ضعيف اليقين بما أمره به الله... ومن هنا يختل التوازن النفسي للإنسان.. فيتركه الله لنفسه التي ترديه في أوحال الفاقة والشكوك!!!. كذلك من الحكم الغاليات في هذا الباب اقتداء نساء العالمين بزوجاته- صلى الله عليه وسلم- في إيثارهنَّ الدار الآخرة وما يحبه الله ورسوله-صلى الله عليه وسلم- علي نعيم الدنيا الفاني، وصبرهنَّ واستعلائهنَّ على الزينة الزائلة وشظف العيش ، وكذلك في دماثة أخلاقهنَّ- حتى تعاملهنَّ فيما بينهنَّ كضرائر، اللهم إلا النذر اليسر والذي لايكاد يذكر على الرغم من عددهنَّ.. فمن المعلوم أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قد اختار لنفسه ولأهل بيته معيشة الكفاف- لاعجزاً عن حياة المتاع، فقد عاش حتى فتحت له الأرض- وكثرت غنائمها،وعم فيؤها، واغتنى حتى من لم يكن له من قبل مال ولا زاد ! ومع هذا فقد كان الشهر بل الشهران يمضيان ولا توقد في بيوته نار، هذا مع جوده بالصدقات والهبات والهدايا، ولكن ذلك كان اختياراَ لاستعلاء على متاع الحياة الدنيا، ورغبة خالصة فيما عند الله، رغبة الذي يملك ولكنه يعف ويستعلي ويختار..ولم يكن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مكلفاً من عقيدته ولا من شريعته أن يعيش مثل هذه المعيشة التي أخذ بها نفسه وأهل بيته، فلم تكن الطيبات محرمة في عقيدته ولا شريعته ، ولم يحرمها على نفسه حين كانت تقدم إليه عفواً بلا تكلف، وتحصل بين يديه مصادفة واتفاقاً،لا جرياً وراءها ولا تشهياً لها، ولا انغماساً بها.... ولم يكلف أمته كذلك أن تعيش عيشته التي اختارها لنفسه، إلا أن يختارها من يريد، استعلاء على اللذائذ والمتاع، وانطلاقاً من ثقلها إلى حيث الحرية التامة من رغبات النفس وميولها. وكان نساء النبي-صلى الله عليه وسلم-نساء من بشر، لهنَّ مشاعر ورغبات البشر، وعلى الرغم من فضلهنَّ وكرامتهنَّ وقربهنَّ من ينابيع النبوة الكريمة، فإن الرغبة الطبيعة في متاع الحياة ظلت حبة في نفوسهنَّ، فلما أن رأينَ السعة والرخاء بعدما أفاض الله على رسوله وعلى المؤمنين راجعن النبي-صلى الله عليه وسلم- في أمر النفقة ، فلم يستقبل هذه المراجعة بالترحيب، إنما استقبلها بالأسى وعدم الرضى؛إذ كانت نفسه-صلى الله عليه وسلم- ترغب في أن تعيش فيما اختاره لها من طلاقة وارتفاع ورضى؛متجردة من الانشغال بمثل ذلك الأمر والاحتفال به أدنى احتفال، وأن تظل حياته وحياة من يلوذون به على ذلك الأفق السامي الوضيئ المبرأ من كل ظل لهذه الدنيا وأوشابها. هذا من جانب ومن الجانب الآخر يظهر لنا حقيقة حياة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والذين عاشوا معه واتصلوا به،وأجمل ما في هذه الحقيقة أن تلك الحياة كانت حياة إنسان وحساة ناس من البشر، لم يتجردوا من بشريتهم ومشاعرهم وسماتهم الإنسانية مع كل تلك العظمة الفريدة البالغة التي ارتفعوا إليها، ومع كل هذا الخلوص لله والتجرد مماعداه، فالمشاعر الإنسانية والعواطف البشرية لم تمت في تلك النفوس ولكنها ارتفعت، وصفت من الأوشاب، ثم بقيت لها طبيعتها البشرية الحلوة، ولم تعوق النفوس عن الارتفاع إلى أقصى درجات الكمال المقدر للإنسان. وكثراً ما نحطئ نحن حين نتصور للنبي-صلى الله عليه وسلم- ولنسائه بل ولصحابته-رضوان الله عليهم أجمعين- صورة غير حقيقية، أو غير كاملة ، نجردهم فيها من كل المشاعر والعواطف البشرية، حاسبين أننا نرفهم بهذا وننزهم عما نعده نقطاً وضعفاً!. وهذا الخطأ – إخواني الكرام-يرسم لهم صورة غير واقعية، صورة ملفعة بهالات غامضة لا نتبين من خلالها ملامحهم الإنسانية الأصيلة-ومن ثم تنقطع الصلة البشرية بيننا وبنهم- وتبقى شخوصهم في حِسِّنا بين تلك الهالات أقرب إلى الأطياف التي لا تلمس ولا تتماسك في الأيدي! ونشعر بهم كما لو كانوا خلقاً أخر غيرنا... ملائكة أو خلقاً مثلهم مجرداً من مشاعر البشر وعواطفهم على كل حال!، ومع شفافية هذه الصورة الخيالية فإنها تبعدهم عن محيطنا، فلا نعود نتأسى بهم أو نتأثر، يأساً من إمكان التشبه بهم أو الاقتداء العملي بهم في الحياة الواقعية، وتفقد السيرة بذلك أهم هنصر محرك، وهو استجاشة مشاعرنا للأسوة والتقليد، وتحل محلها الروعة والانبهار-اللذان لا ينتجان إلا شعوراً مبهماً غامضاً سحرياً ليس له أثر عملي في حياتنا الواقعية – ثم نفقد كذلك التجاوب الحي بيننا وبين هذه الشخصيات العظيمة- لأن التجاوب إنما يقع نتيجة لشعورنا بأنهم بشر حقيقيون- عاشوا بعواطف ومشاعر وانفعالات حقيقية من نوع المشاعر والعواطف والانفعالات التي نعانيها نحن، ولكنهم هم ارتقوا بها وصفوها من الشوائب التي تخالج مشاعرنا. وحكمة الله واضحة في أن يختار رسله من البشر ، ولا الملائكة ولا من أي خلق آخر غير البشر، كي تبقى الصلة الحقيقية بين حياة الرسل وحياة أتباعهم قائمة؛ وكي يحس أتباعهم أن قلوبهم كانت تعمرها عواطف ومشاعر من جنس مشاعر البشر وعواطفهم ، وإن صفت ورفت وارتقت... فيحبونهم حب الإنسان للإنسان، ويطمعوا في تقليدهم تقليد الإنسان الصغير للإنسان الكبير العظيم.. | |
|