بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن .
الحمد لله المنزه عن الجسمية والصورة والمكان الموجود أزلاً وأبداً بلا مكان .
صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وحبيب رب العالمين وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين وسلام الله عليهم أجمعين.
اللهم صلّ على نبيك وحبيبك المؤيد بالمعجزات الدالة على صدقه القائل
« إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب »
رواه أحمد بن حنبل في مسنده من حديث أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه.
ومعنى الحديث أن الله ينتقم منهم إذا تركوا النهي عن المنكر, ينزل بهم نقماً ونكبات في الدنيا قبل الآخرة.
ولا شك أن النقمة التي تنزل بالمسلمين في هذه الأزمنة من شؤم ترك تغيير المنكر والنهي عنه.
ولما كان الكفر هو أكبر المنكرات وأشدها كان هو الأولى بالتحذير منه من غيره من المنكرات لأن الكافر يُخلّد في النار ولا يخرج منها أبداً,
قال الله تعالى
﴿ والكافرون هم الظالمون ﴾
أي أشد الظلم هو الكفر ولما كثر في زماننا المجسمة وإن اختلفت أسماؤهم كان من الواجب تحذير الناس منهم ومن مقالاتهم وبيان حالهم للناس .
أما الدليل على أن الله منزه عن الجسمية والمكان فمأخوذ من القرآن والحديث وإجماع الأمة أما القرآن
فقوله تعالى
﴿ليس كمثله شيء﴾
وهي أصرح آية في القرآن في تنزيه الله عزّ وجلّ التنزيه الكلّي عن مشابهة خلقه فإنها تنفي عن الله مشابهة شيء من خلقه من وجهٍ واحدٍ أو من جميع الوجوه.
وقول الله تعالى
﴿ فلا تضربوا لله الأمثال ﴾
أي لا تشبهوه بخلقه ,
وقول الله تعالى
﴿ وأن إلى ربك المنتهى ﴾
قال أبيّ بن كعب رضي الله عنه في تفسير هذه الآية
" اليه انتهى فكر من تفكّر "
, أي لا تدركه تصورات العباد لأنه ليس جسماً ولأن الإنسان يتصور الشيء الذي ألفه.
وما يدلّ على أن الله عزّ وجلّ ليس جسماً قوله عليه الصلاة والسلام
« لا فكرة في الرب »
رواه أبو القاسم الأنصاري ,
ومعناه أن الله لا تدركه تصورات العباد وأوهامهم لأنه ليس جسماً.
وقوله عليه الصلاة والسلام
« كان الله ولم يكن شيءٌ غيره »
رواه البخاري ,
كان الله أي في الأزل ولم يكن شيءٌ غيره أي في الأزل أي لا أزليّ سواه لأنه موجودٌ قبل المكان وقبل الزمان , وإذا لم يكن في مكان لم يكن جسما ,
وقد أجمعت الأمة على تكفير المجسّم ولنبدأ بما في كتاب نجم المهتدي ورجم المعتدي لمحمد بن محمد الشهير بابن المعلم القرشيّ ,
وهو من أهل القرن السابع الهجريّ , فقد قال في صحيفة خمسمائة وثمانية وثمانين ما نصه وعن علي رضي الله عنه قال:
"سيرجع قومٌ من هذه الأمّة عند اقتراب الساعة كفّاراً فقال رجلٌ يا أمير المؤمنين كفرهم بماذا أبالإحداث أم بالإنكار فقال بل بالإنكار ينكرون خالقهم فيصفونه بالجسم والأعضاء أولئك لا خَلاقَ لهم في الآخرة ولهم عذابٌ أليم."
فهذا نصٌّ من الإمام عليّ رضي الله عنه في تكفير المجسّم وهو الذي قال
" كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان."
وإذا لم يكن في مكان لم يكن جسماً,
وروى الحافظ أبو نُعيم في كتابه حِلْية الأولياء عن سيدنا عليّ أنه قال:
"من زعم أن إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود"
و هذا نصّ من الإمام عليّ في نفي الجسمية عن الله لأن المحدود ما له حجم و الله ليس له حجم.
وقال زين العابدين رضي الله عنه عليّ بن الحسين في الصحيفة السجادية :
"سبحانك أنت الله لا يحويك مكان ولا تُحسُّ ولا تُمسُّ ولا تُجسُّ ",
ونقل ابن المعلّم أيضاً عن نصّ الإمام الشافعي رضي الله عنه أنّه قال:
"ومن كفرناه من أهل القِبلة كالقائلين يخلق القرآن وبأنّه لا يعلم المعدومات قبل وجودها ومن لا يؤمن بالقدر وكذا من يعتقد أنّ الله جالسٌ على العرش"
,كما حكاه القاضي حُسين هنا عن نصّ الإمام الشافعي رضي الله عنه.
وقال السيوطيّ في كتاب الأشباه والنظائر ما نصُّه:"قال الإمام الشافعيّ لا يُكفر أحدٌ من أهل القِبلة واستثنى من ذلك المجسّم" إﻫ.
ونقل صاحب الخِصال من الحنابلة عن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه قال:
"من قال إنَّ الله جسمٌ لا كالأجسام كفر"
وهذا من الإمام أحمد تكفيرٌ صريحٌ للمجسِّم حتّى ولو قال عن الله جسمٌ لا كالأجسام,
ونقل هذا القول عن الإمام أحمد أيضاً الزركشيّ في تشنيف المسامع.
وكذلك أبو حنيفة رضي الله عنه صرَّح في إحدى رسائله الخمس التي هي صحيحة النسبة إليه كما قال الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في شرح إحياء علوم الدين باعتبار الإسناد بكفر من يعتقد أنَّ صفة من صفات الله حادثة أو شكَّ أو توقَّف.
وقال ابن حجر الهيتميّ في كتابه المنهاج القويم بشرح المقدمة الحضرميّة :
"واعلم أن القرافيّ وغيره حكوا عن الشافعيّ ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم وهم حقيقون بذلك." إﻫ.
وقال محمد بن بدر الدين بن بلبان الدمشقي ّالحنبليّ في كتابه مختصر الإفادات صحيفة أربعمائة وتسعين ما نصه:
"ويجب الجزم بأنّه سبحانه وتعالى ليس بجوهرٍ ولا جسمٍ ولا عَرَضٍ لا تحُلُه الحوادث ولا يحُلّ في الحادث ولا ينحصر فيه,فمن اعتقد أو قال إن الله بذاته في كلّ مكان أو في مكان فكافر."
وقال: "ولا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء فمن شبّهه بشيء من خلقه فقد كفر كمن اعتقده جسماً أو قال إنه جسم لا كالأجسام."
وقال الإمام أبو الحسن الأشعريّ رضي الله عنه في كتابه النوادر "المجسّم جاهلٌ بربه فهو كافرٌ به.
" وقال الكمال بن الهُمام الحنفيّ في فتح القدير :
"من قال الله جسمٌ لا كالأجسام كافرٌ."
ويقول النسفيّ في تفسيره المشهور عند تفسير آية ﴿ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يُلحدون في أسمائه ﴾ ما نصّه: "ومن الإلحاد تسمية الله بالجسم والجوهر والعقل والعلّة."
هذا وقد نقل السيوطي الإجماع على كفر القائلين بالحلول
وقال الشيخ محي الدين بن العربي رضي الله عنه: "من قال بالحلول فدينه معلول وما قال بالاتحاد الا أهل الإلحاد",
.
وقال سيدنا أحمد الرفاعي رضي الله عنه: "لفظتان ثِلمتان في الدين (أي هدم للدين) القول بالوحدة والشطح المجاوز حدّ التحدّث بالنعمة."
.
و قال رضي الله عنه: ""غاية المعرفة بالله الإيقان بوجوده تعالى بلا كيف و لا مكان .
و هذا نفيٌ من سيدنا أحمد عن الله الجسمية و الحدّ, حيث بيّن أن أقصى ما يصل إليه العبد من المعرفة بالله الاعتقاد الجازم بوجوده تعالى بلا هيأة و لا صورة و لا مكان.
وقال سيد الطائفة الصوفية الجنيد رضي الله عنه: "التوحيد إفراد القديم من المحدث" أي تنزيه الله عن مشابهة المخلوق.
وقال الإمام أبو الهدى الصيادي رضي الله عنه: "من قال أنا الله أو لا موجود إلا الله أو ما في الوجود إلا الله فإن كان في عقله حكم بردته."
هذا وليحذر من كل هذه العقائد والعبارات الفاسدة التي يطلقها الجهلة على الله وفيه كلام معناه اتحاد الله بالخلق مثل هذا البيت الموجود في بعض الكتب المدسوسة على الدين :
وما الكون في التمثال إلا كثلجة* وأنت لها الماء الذي فيه نابع
وما الثلج في تحقيقنا إلا كمائه *وغيران في حكم دعته الشرائع
هذا وليعلم أنّ كلّ نصّ قرءاني أو حديثي يوهم ظاهره الجسمية في حق الله والتحيز في جهة ومكان فهو مؤول ولا يجوز حمله على الظاهر كما نصّ على ذلك العلماء في كتبهم وبينوه كالحافظ ابن الجوزي في كتابه دفع شبه التشبيه بأكفّ التنزيه وغيره.
وسبحان الله والحمد لله رب العالمين.