وهذا هو الجزء الرابع ****
ول ديورانت Will Durant ( في كتاب " قصة الحضارة " ) : " إن محمدا صلى الله عليه وسلم
كان من أعظم عظماء التاريخ ، فلقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت بـــــه
في دياجير الهمجية حرارة الجو وجدب الصحراء ، وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحا لم يدانه فيه أي مصلح
آخر في التاريخ كله ، وقلّ أن نجد إنسانا غيره حقق ماكان يحلم به " . " لسنا نجد في التاريخ كله مصلحا فرض
على الأغنياء من الضرائب ما فرضه عليهم محمد صلى الله عليه وسلم لإعانة الفقراء" . " تدل الأحاديث النبوية
على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحث على طلب العلم ويعجب به ، فهو من هذه الناحية يختلف عن
معظم المصلحين الدينيين " .
المفكر الفرنسي لامارتين Alphonse de Lamartine (من كتاب " تاريخ تركيا " ' Historie de
la Turquie ' ، باريس، 1854، الجزء الثاني، صفحة 276-277. ) " إذا كانت الضوابط التــــــــــي نقيس بها عبقرية
الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة، فمن ذا الذي يجرؤ أن يقارن أيا من عظمـــاء
التاريخ الحديث بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في عبقريته؟ فهؤلاء المشاهير قد صنعـــــــــوا الأسلحة
وسنوا القوانين وأقاموا الإمبراطوريات. فلم يجنوا إلا أمجادا بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانَيْهم. لكن هــــذا
الرجل (محمدا " صلى الله عليه وسلم " ) لم يقد الجيوش ويسن التشريعات ويقم الإمبراطوريات و يحكــــــــم
الشعوب ويروض الحكام فقط، وإنما قاد الملايين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم حينئذ. ليس هذا فقط، بل
إنه قضى على الأنصاب والأزلام والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة. لقد صبر النبـــــي وتجلد حتى نال النصر
(من الله). كان طموح النبي (صلى الله عليه وسلم) موجها بالكلية إلى هدف واحد، فلم يطمح إلى تكويـــــــن
إمبراطورية أو ما إلى ذلك. حتى صلاة النبي الدائمة ومناجاته لربه ووفاته (صلى الله عليه وسلم) وانتصــــــاره
حتى بعد موته، كل ذلك لا يدل على الغش والخداع بل يدل على اليقين الصادق الذي أعطى النبي الطاقــــة
والقوة لإرساء عقيدة ذات شقين: الإيمان بوحدانية الله، والإيمان بمخالفته تعالى للحوادث. فالشق الأول يبين
صفة الله (ألا وهي الوحدانية)، بينما الآخر يوضح ما لا يتصف به الله تعالى (وهو المادية والمماثلة للحــــوادث).
لتحقيق الأول كان لا بد من القضاء على الآلهة المدعاة من دون الله بالسيف، أما الثاني فقد تطلّب ترســـــيخ
العقيدة بالكلمة (بالحكمة والموعظة الحسنة). هذا هو محمد (صلى الله عليه وسلم) الفيلسوف، الخطيب،
النبي، المشرع، المحارب، قاهر الأهواء، مؤسس المذاهب الفكرية التي تدعو إلى عبادة حقة، بلا أنصاب ولا
أزلام. هو المؤسس لعشرين إمبراطورية في الأرض، وإمبراطورية روحانية واحدة. هذا هو محمد (صلى الله
عليه وسلم). بالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية، أود أن أتساءل: هل هناك من هو أعظم من النبي محمد
(صلى الله عليه وسلم)؟ ويقول في كتاب " السفر إلى الشرق " : أعظم حدث في حياتي هو أنني درست
حياة رسول الله محمد دراسة واعية ، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود. أي رجل أدرك من العظمة الإنسانية
مثلما أدرك محمد ، وأي إنسان بلغ من مراتب الكمال مثل ما بلغ ، لقد هدم الرسول المعتقدات الباطلة التي
تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق.
جيبون أوكلي Edward Gibbon ( إدوارد جيبون وسيمون أوكلي، من كتاب " تاريـــــــــخ
إمبراطورية الشرق" History of the Saracen Empire ، لندن 1870، صفحة 54 ) " ليس انتشــــــــــار الدعوة
الإسلامية هو ما يستحق الانبهار وإنما استمراريتها وثباتها على مر العصور. فما زال الانطباع الرائع الذي حفره
محمد في مكة والمدينة له نفس الروعة والقوة في نفوس الهنود والأفارقة والأتراك حديثي العهد بالقرآن، رغم
مرور اثني عشر قرنا من الزمان. لقد استطاع المسلمون الصمود يدا واحدة في مواجهة فتنة الإيمان بالله رغم
أنهم لم يعرفوه إلا من خلال العقل والمشاعر الإنسانية. فقول " أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله "
هي ببساطة شهادة الإسلام. ولم يتأثر إحساسهم بألوهية الله (عز وجل) بوجود أي من الأشياء المنظـــــورة
التي كانت تتخذ آلهة من دون الله . ولم يتجاوز شرف النبي وفضائله حدود الفضيلة المعروفة لدى البشر، كما
أن منهجه في الحياة جعل مظاهر امتنان الصحابة له (لهدايته إياهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور) منحصرة
في نطاق العقل والدين " .
أرنولد توينبي Arnold Toynbee ( المؤرخ البريطاني المعاصر ، له مُؤَلَّف شـــهير في اثني
عشر جزءاً وهو " دراسة التاريخ " " A Study of History " ألَّفه من عام 1921 حتى عام 1961 ) يقول فيـــــه :
لقد أخذت سيرة الرسول العربي صلى الله عليه وسلم بألباب أتباعه ، وسمت شخصيته لديهم إلى أعلــــى
علِّيِّين ، فآمنوا برسالته إيماناً جعلهم يتقبلون ما أُوحِيَ به إليه وأفعاله كما سجَّلتها السُّنة .
عالم اللاهوت السويسري د.هانز كونج Hans Kung ( نقلا عن كتاب " الإسلام نهر يبحث
عن مجرى " للدكتور شوقي أبوخليل "15" ) : محمد نبي حقيقي بمعنى الكلمة ، ولا يمكننا بعد إنكـــــــار أن
محمدا هو المرشد القائد على طريق النجاة.
آن بيزيت Annie Besant ( " حياة وتعاليم محمد " The Life and Teachings of Mohammad
دار مادرس للنشر 1932 ): من المستحيل لأي شخص يدرس حياة وشخصية نبي العرب العظيم ويعرف كيف
عاش هذا النبي وكيف علم الناس، إلا أن يشعر بتبجيل هذا النبي الجليل، أحد رسل الله العظماء، ورغم أنني
سوف أعرض فيما أروي لكم أشياء قد تكون مألوفة للعديد من الناس فإنني أشعر في كل مرة أعيد فيها قراءة
هذه الأشياء بإعجاب وتبجيل متجددين لهذا المعلم العربي العظيم. هل تقصد أن تخبرني أن رجلاً في عنفوان
شبابه لم يتعد الرابعة والعشرين من عمره بعد أن تزوج من امرأة أكبر منه بكثير وظل وفياً لها طيلة 26 عاماً ثم
عندما بلغ الخمسين من عمره - السن التي تخبوا فيها شهوات الجسد - تزوج لإشباع رغباته وشهواته ؟! ليس
هكذا يكون الحكم على حياة الأشخاص. فلو نظــــــرت إلى النساء اللاتي تزوجهن لوجدت أن كل زيجة من هذه
الزيجات كانت سبباً إما في الدخول في تحالف لصالح أتباعه ودينه أو الحصول على شيء يعود بالنفع علـــــــى
أصحابه أو كانت المرأة التي تزوجها في حاجة ماسة للحماية.
المستر سنكس (مستشرق أميركي ولد في بلدته بالاي عام 1831، توفي 1883 فـــــي
كتابه: " ديانة العرب " ) : ظهر محمد بعد المسيح بخمسمائة وسبعين سنة، وكانت وظيفته ترقية عقول البشر،
بإشرابها الأصول الأولية للأخلاق الفاضلة، وبإرجاعها إلى الاعتقاد بإله واحد، وبحياة بعد هذه الحياة. إلـــــى أن
قال : إن الفكرة الدينية الإسلامية، أحدثت رقياً كبيراً جداً في العالم، وخلّصت العقل الإنساني من قيوده الثقيلة
التي كانت تأسره حول الهياكل بين يدي الكهان. ولقد توصل محمد ـ بمحوه كل صورة في المعابد وإبطالـــــه كل
تمثيل لذات الخالق المطلق ـ إلى تخليص الفكر الإنساني من عقيدة التجسيد الغليظة.
سنرستن الآسوجي ( العلامة سنرستن الآسوجي: مستشرق آسوجي ولد عام 1866،
أستاذ اللغات الساميّة، ساهم في دائرة المعارف، جمع المخطوطات الشرقية، محرر مجلة (العالم الشرقي) له
عدة مؤلفات منها: " القرآن الإنجيل المحمدي " ومنها : " تاريخ حياة محمد " ) : إننا لم ننصف محمداً إذا أنكرنا ما
هو عليه من عظيم الصفات وحميد المزايا، فلقد خاض محمد معركة الحياة الصحيحة في وجه الجهل والهمجية،
مصراً على مبدئه، وما زال يحارب الطغاة حتى انتهى به المطاف إلى النصر المبين، فأصبحت شريعته أكمــــل
الشرائع، وهو فوق عظماء التاريخ.
تم الجزء الرابع والحمد لله وحده سبحانه