ولد صلى الله عليه وسلم بجوف مكّة، وأن مولده كان عامَ الفيل، وكان أمرُ الفيل تقدِمة
قدَّمها اللّه لنبيه وبيته، وإلا فأصحاب الفيل كانوا نصارى أهل كِتاب، وكان دينهم خيراً مِن
دين أهل مكّة إذ ذاك، لأَنهم كانوا عُبَّاد أوثان، فنصرهم اللّه على أهل الكِتاب نصراً لا صنُع
للبشر فيه، إرهاصاً وتقدِمة للنبي صلى الله عليه وسلم الذي خرج من مكَّة، وتعظيماً
للبيت الحرام.
وُلد أكرم الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صبيحة يوم الإثنين
الثاني عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل ، الذي يُوافق العشرين أو الثاني والعشرين
من شهر إبريل سنة 571 م ، في مكة المكرمة وفي أشرف بيت من بيوتها ، فقد اصطفاه الله
من بني هاشم ، واصطفى بني هاشم من قريش ، واصطفى قريشاً من سائر العرب ، قال
عليه افضل الصلاة والســــــلام (إن الله خلق الخلق ، فجعلني في خير خلقه ، وجعلهم فرقتين ،
فجعلني في خير فرقة ، وخلق القبائل فجعلني في خير قبيلة ، وجعلهم بيوتاً فجعلني في
خيرهم بيتاً ، فأنا خيركم بيتاً ، وخيركم نفساً ) رواه أحمد .
واختلف في وفاة أبيه عبد اللّه، هل توفي ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم حمل، أو توفي
بعد ولادته؟ على قولين: أصحهما: أنه توفي ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم حمل.
والثاني: أنه توفي بعد ولادته بسبعة أشهر. ولا خلاف أن أُمّه ماتت بين مكّة والمدينة
(بالأبواء) منصرفها من المدينة مِن زيارة أخواله، ولم يستكمل إذ ذاك سبعَ سنين.
وَكَفَلَه جدّه عبد المطلب، وتُوفي ولِرسول اللّه صلى الله عليه وسلم نحوُ ثمان سنين، وقيل:
ست، وقيل: عشر، ثم كَفَلَه عمُّه أبو طالب، واستمرت كفالتُه له، فلما بلغ ثِنتي عشرة سنة،
خرج به عمُه إلى الشام، وقيل: كانت سِنُّهُ تسعَ سنين، وفي هذه الخرجة رآه بَحِيرى الراهب،
وأمر عمه ألا يَقْدَم به إلى الشام خوفاً عليه من اليهود، فبعثه عمُّه مع بعض غلمانه إلى مكّة،
و وقع في كتاب الترمذي وغيره أنه بعث معه بلالاً،وهو من الغلط الواضح، فإن بلالاً إذ ذاك لعلّه
لم يكن موجوداً، وإن كان، فلم يكن مع عمه، ولا مع أبي بكر. وذكر البزار في (مسنده) هذا
الحديث، ولم يقل: وأرسل معه عمه بلالاً، ولكن قال: رجلاً.