لم يختلف العلماء في أنه ولد بعد عام الفيل، وإنما اختلفوا في المدة التي كانت بعد عام الفيل، فبعضهم قال بثلاث سنين ،
وبعضهم ذكر بأنه ولد بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر، وآخرون قالوا بسنتين وأشهر ولم يحددوا عدد الأشهر ، وقد نشأ نشأة كريمة
طيبة في حضن أبوين لهما الكرامة والعز في قومهما مما جعل أبا بكر ينشأ كريم النفس، عزيز المكانة في قومه .
وأما صفته الخِلقية، فقد كان يوصف بالبياض في اللون، والنحافة في البدن، وفي هذا يقول قيس بن أبي حازم: دخلت على أبي بكر، وكان
رجلاً نحيفاً، خفيف اللحم أبيض ، وقد وصفه أصحاب السير من افواه الرواة فقالوا: أن أبا بكر t اتصف بأنه: كان أبيض تخالطه صُفرة، حسن
القامة، نحيفاً خفيف العارضين، أجنأ ، لايستمسك إزاره يسترخي عن حقويه رقيقاً معروق الوجه ، غائر العينين ، اقنى ، حمش الساقين،
ممحوص الفخذين ، وكان ناتئ الجبهة، عاري الأشجاع ويخضب لحيته، وشيبه بالحناء والكتم .
ثالثاً: أسرته:
أما والده، فهو عثمان بن عامر بن عمرو يكنى أبا قحافة أسلم يوم الفتح، وأقبل به الصديق على رسول الله
فقال: ياأبا بكر هلا تركته، حتى نأتيه، فقال أبوبكر: هو أولى أن يأتيك يارسول الله ، فأسلم أبو قحافة وبايع رسول الله
، ويروى أن رسول الله
هنأ أبا بكر بإسلام أبيه ، وقال لأبي بكر غيروا هذا من شعره، فقد كان
رأس أبي قحافة مثل الثغامة .
وفي هذا الخبر منهج نبوي كريم سنَّهُ النبي
في توقير كبار السن واحترامهم ويؤكد ذلك قوله
(ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا) .
وأما والدة الصديق، فهي سلمى بن صخر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم وكنيتها أم الخير أسلمت مبكراً وسيأتي تفصيل ذلك
في واقعة إلحاح أبي بكر على النبي
على الظهور بمكة .
وأما زوجاته؛ فقد تزوج من أربع نسوة أنجبن له ثلاثة ذكور وثلاث إناث وهنّ على التوالي:
1- قتيلة بنت عبدالعزى بن أسعد بن جابر ابن مالك:
اختلف في إسلامها ، وهي والدة عبدالله وأسماء وكان أبوبكر طلقها في الجاهلية - وقد جاءت بهدايا فيها أقط وسمن الى إبنتها أسماء
بنت أبي بكر بالمدينة، فابت أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها فأرسلت الى عائشة تسأل النبي
فقال النبي
: (لِتُدْخِلها ولتقبل هديتها)، وأنزل الله عز وجل {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ
تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (سورة المتحنة، الآية : 8 ) أي لايمنعكم الله من البر والإحسان وفعل الخير الى الكفار
الذين سالموكم ولم يقاتلوكم في الدين كالنساء، والضعفة منهم كصلة الرحم، ونفع الجار، والضيافة، ولم يخرجوكم من دياركم، ولايمنعكم
أيضاً من أن تعدلوا فيما بينكم وبينهم، بأداء مالهم من الحق، كالوفاء لهم بالوعود، وأداء الأمانة، وإيفاء أثمان المشتريات كاملة غير
منقوصة، إن الله يحب العادلين، ويرضى عنهم، ويمقت الظالمين ويعاقبهم .
2- أم رومان بنت عامر بن عويمر:
من بني كنانة بن خزيمة، مات عنها زوجها الحارث بن سخبرة بمكة، فتزوجها أبوبكر، وأسلمت قديماً، وبايعت، وهاجرت الى المدينة
وهي والدة عبدالرحمن وعائشة رضي الله عنهم، وتوفيت في عهد النبي
بالمدينة سنة ست من الهجرة .
3- أسماء بن عُمَيس بن معبد بن الحارث:
أم عبدالله، من المهاجرات الأوائل، أسلمت قديماً قبل دخول دار الأرقم، وبايعت الرسول
وهاجر بها زوجها
جعفر بن أبي طالب الى الحبشة، ثم هاجرت معه الى المدينة فاستشهد يوم مؤتة، وتزوجها الصديق فولدت له محمداً روى عنها من
الصحابة : عمر ، و أبو موسى، وعبدالله بن عباس، وأم الفضل امرأة العباس، فكانت أكرم الناس أصهاراً فمن أصهارها: رسول الله وحمزة،
والعباس وغيرهم .
4- حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير:
الانصارية، الخزرجية وهي التي ولدت لأبي بكر أم كلثوم بعد وفاته وقد أقام عندها الصديق بالسُّنح .
وأما أولاد أبي بكر رضي الله عنهم فهم:
1- عبدالرحمن بن أبي بكر:
أسن ولد أبي بكر: أسلم يوم الحديبية، وحسن إسلامه وصحب رسول الله
وقد إشتهر بالشجاعة وله مواقف
محمودة ومشهودة بعد إسلامه .
2- عبدالله بن أبي بكر:
صاحب الدور العظيم في الهجرة، فقد كان يبقى في النهار بين أهل مكة يسمع أخبارهم ثم يتسلل في الليل الى الغار
لينقل هذه الأخبار لرسول الله
و أبيه، فإذا جاء الصبح عاد الى مكة، وقد أصيب بسهم يوم الطائف،
فماطله حتى مات شهيداً بالمدينة في خلافة الصديق .
3- محمد بن أبي بكر:
أمه أسماء بنت عميس، ولد عام حجة الوداع وكان من فتيان قريش، عاش في حجر علي بن أبي طالب، وولاه مصر وبها قتل .
4- أسماء بنت أبي بكر:
ذات النطاقين أسن من عائشة، سماها رسول الله
ذات النطاقين لأنها صنعت لرسول الله
ولأبيها سفرة
لما هاجرا فلم تجد ماتشدها به فشقت نطاقها، وشدت به السفرة فسماها النبي
بذلك، وهي زوجة الزبير بن
العوام وهاجرت الى المدينة وهي حامل بعبدالله بن الزبير فولدته بعد الهجرة فكان أول مولود في الاسلام بعدالهجرة، بلغت مائة سنة
ولم ينكر من عقلها شيء، ولم يسقط لها سن، روى لها عن الرسول
ستة وخمسون حديثاً، روى عنها عبدالله بن عباس،
وأبناؤها عبدالله وعروة ، وعبدالله بن أبي مُلَيْكة وغيرهم وكانت جوادة منفقة توفيت بمكة سنة 73هـ .
5- عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها:
الصديقة بنت الصديق تزوجها رسول الله
وهي بنت ست سنين، ودخل بها وهي بنت تسع سنين،
وأعرس بها في شوال، وهي أعلم النساء، كناها رسول الله
أم عبدالله، وكان حبه لها مثالاً للزوجية الصالحة .
كان الشعبي يحدث عن مسروق أنه إذا تحدث عن أم المؤمنين عائشة يقول : حدثتني الصديقة بنت الصديق المبرأة حبيبة
حبيب الله
ومسندها يبلغ ألفين ومائتين وعشرة أحاديث (2210) اتفق البخاري ومسلم
على مائة وأربعة وسبعين حديثاً، وانفرد البخاري باربعة وخمسين، وانفرد مسلم بتسعة وستين ، وعاشت ثلاثاً وستين سنة وأشهراً، وتوفيت سنة 57هـ، ولا ذرية لها .
6- أم كلثوم بنت أبي بكر:
أمها حبيبة بنت خارجة. قال أبوبكر لأم المؤمنين عائشة حين حضرته الوفاة: إنما هما أخواك وأختاك فقالت: هذه أسماء قد عرفتها فمن
الاخرى قال: ذو بطن بنت خارجة، قد ألقي في خلدي أنها جارية فكانت كما قال: وولدت بعد موته ، تزوجها طلحة بن عبيدالله وقتل عنها
يوم الجمل، وحجت بها عائشة في عدتها فأخرجتها الى مكة .
هذه هي أسرة الصديق المباركة التي أكرمها الله بالاسلام وقد اختص بهذا الفضل أبو بكر من بين الصحابة وقد قال العلماء: لايعرف أربعة
متناسلون بعضهم من بعض صحبوا رسول الله
، إلا آل أبي بكر الصديق وهم: عبدالله بن الزبير،
أمه أسماء بنت أبي بكر بن ابي قحافة، فهؤلاء الأربعة صحابة متناسلون، وأيضاً محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة .
وليس من الصحابة من أسلم أبوه وأمه وأولاده، وأدركوا النبي
وأدركه أيضاً بنو أولاده : إلا أبوبكر من جهة الرجال والنساء -
وقد بينت ذلك- فكلهم آمنوا بالنبي وصحبوه، فهذا بيت الصديق، فأهله أهل إيمان، ليس فيهم منافق ولايعرف في الصحابة مثل هذا لغير
بيت أبي بكر رضي الله عنهم.
وكان يقال: للإيمان بيوت وللنفاق بيوت؛ فبيت أبي بكر من بيوت الإيمان من المهاجرين، وبني النجار من بيوت الإيمان من الانصار.
رابعاً: الرصيد الخُلقي للصديق في المجتمع الجاهلي:
كان أبو بكر الصديق في الجاهلية من وجهاء قريش وأشرافهم وأحد رؤسائهم، وذلك أن الشرف في قريش قد انتهى قبل ظهور الاسلام الى
عشرة رهط من عشرة أبطن، فالعباس ابن عبدالمطلب من بني هاشم، وكان يسقي الحجيج في الجاهلية، وبقي له ذلك في الاسلام
وابو سفيان بن حرب من بني أمية، وكان عنده العقاب راية قريش، فإذا لم تجتمع قريش على واحد رأسوه هو وقدموه، والحارث بن عامر
بن بني نوفل، وكانت إليه الرفادة، وهي ماتخرجه قريش من أموالها، وترفد به منقطع السبيل، وعثمان بن طلحة بن زمعة بن الاسود من
بني أسد، وكانت إليه المشورة فلا يُجمع على أمر حتى يعرضوه عليه، فإن وافق ولاهم عليه، وإلا تخيّر وكانو له أعواناً، وأبو بكر الصديق
من بني تيم وكانت إليه الأشناق وهي الديات والمغارم، فكان إذا حمل شيئاً فسأل فيه قريشاً صدقوه، وامضوا حمالة من نهض معه، وإن
احتملها غيره خذلوه، وخالد بن الوليد من بني مخزوم، وكانت إليه القبة والأعنة، أما القبة فإنهم كانوا يضربونها ثم يجمعون إليها مايجهزون
به الجيش، وأما الأعنة فإنه كان على خيل قريش في الحرب. وعمر بن الخطاب من بني عدي، وكانت إليه السفارة في الجاهلية، وصفوان
بن أمية من بني جمح، وكانت إليه الأزلام. والحارث بن قيس من بني سهم، وكانت إليه الحكومة وأموال آلهتهم .