سيد قحطان العيثاوي خمروي متألق
عدد الرسائل : 1439 الموقع : مؤسس منتدى قبيلة الساده البوعيثا الحُسينية في العراق العمل/الترفيه : حب الله ورسوله المزاج : إشتقتُ إليك ياسيدي يارسول الله فداك نفسي وأهلي تاريخ التسجيل : 24/10/2010
| موضوع: التأصيل الشرعي في جواز الأحتفال بالمناسبات النبوية الشريفة 2011-05-23, 10:33 am | |
| التأصيل الشرعي في جواز الاحتفال بالمناسبات النبوية الشريفة منقوووووووووول في كل عام يفتتن العالم الإسلامي بصيحات تبدع الاحتفال بالمناسبات النبوية وذكرياتها العطرة، وينغصون على المحبين حبهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويحار الشباب المسلم المتحمس، بسبب تلك المقولات المغالية في التحريم، ويضيع بسبب ذلك لأنه يسمع التحريم والتبديع ويتقطع من داخله، بين حبه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وبين تلك الفتاوى المحرمة، وتحصل له الفتنة وصدق الله: (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُل عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) (التوبة:126). ومن الأمور التي يعلون أصواتهم بتبديعها موضوع الاحتفال بالمولد الشريف، والاحتفال بالإسراء والمعراج، وبأول السنة الهجرية، والمناسبات النبوية ونوجز حججهم ونرد عليها، ثم نأتي بالأدلة على جواز الاحتفال بالمناسبات النبوية عموماً ثم نأت بالأدلة على جواز الاحتفال بالمولد النبوي خصوصاً وبالله التوفيق. أولآً – الرد على حجج المعارضين للاحتفال بالمناسبات النبوية: 1- احتجاجهم بالحديث عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا ليْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري ومسلم. والاحتفال ليس من الدين فهو رد. والجواب: هل المناسبات النبوية ليست من أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟! ولا تتعلق بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم! وهل التذكير بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأسلوب عصري وحضاري عن طريق إقامة الندوات والمهرجانات والاحتفالات ليس من أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟ أم هي من صلب أمر وعمل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟!. وإذا كانت السماء احتفلت بمولده برجم الشيطاطين ولم تعد تسترق السمع ومن يسترق منهم السمع ينال شهاباً رصداً. وأن النور رأته أمه أثناء الوضع، والآيات الباهرات التي حصلت لولادته. واحتفال أهل السموات به في المعراج، واحتفال أهل المدينة المنورة به رجالاً ونساء وأطفالاً ينشدون: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما داع لله داع أيها المبعوث إلينا جئت من خير داع يوم خرجوا في استقباله يوم الهجرة أفلا يكون ذلك إقرار بالاحتفال وهو إظهار الفرح به صلى الله عليه وآله وسلم. أم أن فعل الصحابة رضوان الله عليهم بدعة أيضاً؟! أم كان ذلك في حياته ولا يجوز بعد انتقاله؟!.وكون سند روايته ضعيفة منقطعة في رواية ومعضلة في رواية أخرى كما ذكرهما ابن حجر في فتح الباري، لا يضر مع اشتهارها في كتب السيرة، فالشهرة أقوى من السند كما هو مقرر عند علماء الحديث الشريف. 2- ويحتجون بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ َيَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالةٌ). وفي رواية: (وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) رواه مسلم في صحيحه. وأن الاحتفال من الأمور المحدثة فهو بدعة. والجواب: 1- تعريف البدعة: يقول ابن حجر في فتح الباري: (وَالْبِدْعَة أَصْلُهَا مَا أُحْدِثَ عَلَى غَيْر مِثَالٍ سَابِقٍ, وَتُطْلَقُ فِي الشَّرْع فِي مُقَابِلِ السُّنَّةِ فَتَكُونُ مَذْمُومَةً، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ مِمَّا تَنْدَرِجُ تَحْت مُسْتَحْسِنٍ فِي الشَّرْعِ فَهِيَ حَسَنَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا تَنْدَرِجُ تَحْتَ مُسْتَقْبَحٍ فِي الشَّرْعِ فَهِيَ مُسْتَقْبَحَةٌ وَإِلاّ فَهِيَ مِنْ قِسْمِ الْمُبَاحِ وَقَدْ تَنْقَسِمُ إِلَى الأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ). ومن أبدع البدع في هذا العصر هو العبث في القواعد الأصولية والقواعد الفقهية والعبث في الأحكام الشرعية، وهذا لم يحصل في أي عصر من العصور السابقة، مما نتج عنه فوضى دينية عارمة دبت بين بعض من ينتسب لأهل العلم وبين الشباب المتحمس المغالين في فكرهم. 2- ونسأل هل المناسبات النبوية ليست من الشرع؟ وهل تذكير الناس وحثهم للحضور إلى المسجد والمهرجانات الخطابية عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم محدثة بدعية ضلالية؟! والعياذ بالله تعالى. وأين تبليغ الدعوة للناس، التي كان صلى الله عليه وآله وسلم يعمل بها في مكة فيأتي في مواسم الحج فيعرض على الحجاج دعوته، وعلى دار الندوة فيدعوهم!، وأين حث الناس على طلب العلم!، وأين فعل الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه عندما نزل إلى السوق وهو ينادي أهل السوق: أنتم في السوق وميراث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم في المسجد؟!!، فركضوا فوجدوا دروس العلم!!. وهل الملصقات والدورات الشرعية والمخيميات الربيعية تصبح من المحدثات، لأنها لم تكن على عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟!، وهل كل المباحات التي لم تكن على عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تصبح حراماً؟!. إن أي أمر أو أي خبر يخص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهو منه، والتذكير به واجب شرعي. بل إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو نصف العقيدة بدليل نطق الشهادتين: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فمن أخل بها أخل بعقيدته. وإن إسقاط التبديع على الاحتفال هو إسقاط غير صحيح يدعو الناس للابتعاد عن الفرح والابتهاج برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويتحمل صاحبه إثمه وإثم من تبعه إلى يوم القيامة لأنه كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة) حديث صحيح.
فالدعوة إلى الاحتفال بالمناسبات النبوية سنة حسنة، والدعوة إلى عدم الاحتفال ومحاربته سنة سيئة لها دلالات خطيرة على إيمان دعاتها والله أعلم. 3- ومن الحجج المستمرة والدائمة في تحريم أي شيء لدى بعض المعارضين: أن تلك الاحتفالات لم يفعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا الصحابة رضوان الله عليهم ولا التابعون، وإنما حصلت فيما بعد، وأنه لو كان فيها خير لفعلها صاحب الرسالة، وأنه لو كان من الشرع لأمر بها صاحب الشرع صلى الله عليه وآله وسلم. والجواب: نعم، لم يحصل بمسمى (الاحتفال) لأن هذا المصطلح ولد حديثاً، ولكن حصل بغير هذا المسمى، لقد كان الصحابة يحتفلون بالرسول عليه الصلاة والسلام في كل يوم وفي كل صلاة وفي كل لحظة يخرج صلى الله عليه وآله وسلم من بيته، فيتسارعون إليه ويبتهجون ويفرحون بخروجه إليهم، ويطرقون رؤوسهم من جلال هيبته، وجمال مطلعه، وينتظرون أحد الأعراب في الدخول ليسأل سؤلاً، ويتناوبون للقدوم عليه لمن كان بيته بعيداً: لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتذاكرون فيه من سير الأنبياء ، فأرشدهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذكر سيرته ، لأنه أفضل وأكمل الأنبياء والجامع لما كان متفرقا فيهم ، وما المولد إلا عمل بهذا الإرشاد النبوي لأن فيه ذكرا لسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد أخرج الترمذي (تحفة الأحوذي 1/86) وقال الترمذي : غريب ، والدارمي (ا/26) والقاضي عياض في الشفا (1/408) : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون ، قال بعضهم : إن الله اتخذ إبراهيم خليلا ، وقال آخر : موسى كلمه الله تكليما ، وقال آخر : فعيسى كلمة الله وروحه ، وقال آخر : آدم اصطفاه الله ، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : (قد سمعت كلامكم وعجبكم ، إن ابراهيم خليل الله وهو كذلك ، وموسى نجي الله وهو كذلك ، وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك ، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك ، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر ، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ، تحته آدم فمن دونه ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ، ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر ، وأنا أكرم الأولين والآخرين على الله ولا فخر). وهو حديث قوي ، وله شواهد رواه البيهقي في دلائل النبوة (5/270-500) . وأصل الحديث في الصحيحين. ويؤيد هذه الرواية التي تؤكد على احتفاء الصحابة بذكرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذا كعب الأحبار رضي الله عنه يتذاكر مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فضائل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما خصه به.. فقال كعب: ما من فجر إلا نزل سبعون ألفا من الملائكة حتى يحفون بالقبر يضربون أجنحتهم ويصلوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا أمسوا عرجوا وهبط سبعون ألفا حتى يحفوا بالقبر فيضربون بأجنحتهم فيصلون على النبي سبعون ألفا بالليل وسبعون ألفا بالنهار حتى إذا انشقت عنه الأرض خرج في سبعين من الملائكة يزفونه –وفي لفظ يوقرونه- رواه إسماعيل القاضي وابن بشكوال والبيهقي في الشعب والدارمي وابن المبارك في الرقائق وهو حديث صحيح( ). وأورد السيوطي في الدر المنثور عند تفسير سورة الجمعة من طريق عبد بن حميد وابن سيرين بسند صحيح : نبئت أن الأنصار قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالوا : لو نظرنا يوماً فاجتمعنا فذكرنا هذا الأمر ، الذي أنعم الله به علينا ، فقالوا : يوم السبت ، ثم قالوا : لا نجامع اليهود في يومهم ، قالوا : الأحد ، قالوا : لا نجامع النصارى في يومهم ، قالوا : فيوم العروبة وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة فاجتمعوا في بيت أبي أمامة أسعد بن زرارة فذبحت لهم شاة فكفتهم). انتهى وفي تفسير الثعالبي ج9/ص309 (أول من سمى الجمعة الجمعة وكان يقال للجمعة: العروبة وقيل أوّل من سماها جمعة الأنصار: أخبرني الحسين قال حدّثنا ابن حمدان قال حدّثنا إبراهيم بن سهلويه قال حدّثنا سلمة ابن شيب قال حدّثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال جمع أهل المدينة قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وقبل أن ينزل الجمعة وهم الذين سمّوها الجمعة قالت الأنصار لليهود يوم يجمعون فيه كل سبعة أيام وللنصارى يوم أيضاً مثل ذلك فهلموا فلنجعل يوماً يجمع فيه فيذكر الله عزّ وجلّ ونصلّي ونشكره أو كما قالوا، فقالوا: يوم السبت لليهود، ويوم الأحد: للنصارى، فاجعلوه يوم العروبة وكانوا يسمّون يوم الجمعة يوم العروبة واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلّى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم فسمّوه يوم الجمعة حين اجتمعوا إليه فذبح لهم أسعد بن زرارة شاة فتغدوا وتعشوا من شاة واحدة، وذلك لقلتهم فأنزل الله سبحانه في ذلك بعد: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة). الآية فهذه أول جمعة جمعت في الإسلام( ). فتلك اجتماعات الصحابة رضوان الله عليهم واحتفالهم بالرسول عليه الصلاة والسلام. وفي حياة التابعين كانوا يحتفلون به صلى الله عليه وآله وسلم بحضور الدرس والتدريس وطلب العلم ومجلس رواية الحديث كما أسلفنا، ومع ذلك فإننا نقول: إن الاحتفال بصيغة الاحتفال من المباحات، فمن شاء فليحتفل ومن لم يشأ فلا يحتفل، لكن من غير إنكار وتبديع وتضليل وتقليل من شأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ونقول أيضاً: في القرون الخيرية الأولى كانت السيرة النبوية والسنة الشريفة تدرس كل يوم في كل بقاع الإسلام، فما كانوا يحتاجون للاحتفال بطريقتنا لأنهم يحتفلون به كل يوم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يعيش في عروقهم وقلوبهم، أما اليوم فالأمة تقاعست وتكاسلت ولم تعرف عن نبيها إلا القليل فوجب التعريف به لجميع أفراد الأمة. بل إن مجالس رواية الحديث النبوي التي كان يحضرها أكثر من مئة ألف تلميذ ليدل دلالة كبيرة على الاحتفال بالرواية لتحمل الحديث النبوي، وإلا فماذا تسمي ذلك؟!. والجواب الجامع: إن أحكام المباح ليست من أحكام الأمر والنهي، لأن الأمر القرآني والنبوي متعلق بالفرائض والواجبات والسنن، والنهي متعلق بالحرمة والكراهة، والاحتفال بالمصطلح الحديث هو من المباحات، وليس من الأوامر والنواهي، والمباحات ينظر في حكمها إلى أجزائها وتفصيلاتها، فإن كان أي جزء فيها محرماً فتحرم، وإن خلت من التحريم أصبحت حلالاً. ومعلوم أن التحريم هو الذي يحتاج إلى نص، كما أن تكفير المسلم الذي ينطق الشهادتين يحتاج إلى نص يكون دليله ودلالته مئة بالمئة على تكفيره حتى يكفر، فدائرة المباح أوسع الدوائر، وجعلها من أمور العبادة تحتاج إلى نص فيها إنما هو زيادة على الشرع والتشريع، وتقول على الله تعالى، وافتراء على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم. ومدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء على لسان عدد من الصحابة ، فقد أخرج أحمد في المسند (3/451) وابن عساكر في التاريخ (مختصر ابن منظور 12/158) عن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه قال : وفينا رسول الله يتلو كتابه == إذا انشق معروف من الفجر ساطع أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا == به موقنات أن ما قال واقع يبيت يجافي جنبه عن فراشه == إذا استثقلت بالكافرين المضاجع والاستماع للحادي في المدح جائز لا شيء فيه ، ففي صحيح البخاري (كتاب الأدب باب ما يجوز من الشعر 5/294) عن سلمة بن الأكوع : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع : ألا تسمعنا من هنيهاتك . قال : وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم يقول : اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولاتصدقنا ولا صلينا فاغفر فداء لك ما اقتفينا وثبت الأقدام إن لاقينا وألقين سكينة علينا إنا إذا صيح بنا أتينا وبالصياح عولوا علينا( ). ومن الأجوبة الجامعة لكل ما يزعمونه من تحريم أو تبديع أو تضليل بأنه عبادة والعبادة فيها التوقف، فنقول: العبادات قسمان: الأول: عبادات مخصوصة هي الصلاة والزكاة والصوم والحج. والثاني: عبادات عامة مطلقة غير مقيدة وهي باقي أمور الحياة لأنه تتحول العادات إلى عبادات بالنية، فالقول بإطلاق أمور العبادات العامة أنها من الأمور التوقيفية غير دقيق وإنما هو للعبادات المخصوصة وليس من أمور العبادات العامة، وإلا لزم في كل خطوة من أمور الحياة أن يكون هناك نص توقيفي وهذا لا يقول به أحد من العلماء. 4- ومن الأدلة التي يذكرونها للتدليل على التحريم بقوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) وما دام النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحتفل بمولده أو لم يأمر بالاحتفال بمولده، فيجب علينا عدم الاحتفال اتباعاً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. والجواب: إن اتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو من أمور العقيدة فلا يجوز مخالفة أمره أو نهيه من حيث الاعتقاد ووجوب الامتثال حسب درجات الحكم، ولكن نسأل: أين النهي عن الاحتفال بالمناسبات النبوية؟! حتى نمتثل لنهيهه صلى عليه وآله وسلم؟! فإن قالوا: فأين أمره؟ قلنا: أمره بالفرح به وبالصلاة والسلام عليه وبالاجتماع على ذكر الله تعالى وذكر شمائل النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فإن قالوا: هذه دروس ومواعظ؟ قلنا: هذا الذي نفعل، فسموه أنتم بما شئتم، فإنما أسميناه بمسمى عصري احتفالاً ولا مشاحة بالاصطلاح. فإن قالوا: إنما يتخلله أناشيد ورقص واختلاط الرجال بالنساء في بعض البلدان؟ قلنا: إذا لنتفق على حكم الجواز بالاحتفال ثم لنفصل أحكام الاحتفال حسب الشرع. وحوارنا حول الجواز أو عدمه. والله أعلم وهو الهادي للصواب. ثانياً- بعض الأدلة على جواز الاحتفال بالمناسبات النبوية: 1- احتفال الصحابة رضوان الله عليهم بيوم الهجرة في عهد أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وجعله ابتداء السنة التي يؤرخون فيها، ومناقشتهم أي أيام الله تعالى أفضل للتأريخ بها: أهي الغزوات أم فتح مكة أم ليلة القدر أم ليلة الإسراء فأجمعوا على يوم الهجرة، فهل في ذلك شك أيضاً؟!. 2- احتفال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بيوم العيد بضرب الدفوف ورقص الحبشة في المسجد النبوي، ليعلم أهل الكتاب أن في ديننا فسحة، فلماذا يريد المعترض أن يغلق الفسحة؟! وما مصلحته في ذلك؟! روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تغنيان وتدففان وتضربان والنبي صلى الله عليه وسلم متغش بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه فقال: (دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد) وتلك الأيام أيام منى. وقالت عائشة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد فزجرهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعهم أمنا بني أرفدة) يعني من الأمن. وروى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا) وفي رواية: جاريتان تلعبان بدف. وروى البخاري في صحيحه عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش، وحول وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل عليه رسول الله عليه السلام فقال: (دعهما)، فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب، فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم وإما قال: (تشتهين تنظرين؟)، فقلت: نعم، فأقامني وراءه خدي على خده، وهو يقول: (دونكم يا بني أرفدة)، حتى إذا مللت قال: (حسبك؟)، قلت: نعم، قال: (فاذهبي). والشاهد هو إظهار الفرح بالعيد والمواسم وبصاحب الرسالة ومناسباته النبوية. 3- إن الحديث عن المناسبة النبوية إنما يدخل في إحياء سنن الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن منعها وتحريمها هو الخطأ بعينه: فقد أخرج الترمذي في سننه عن كثير بن عبد الله هو ابن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال بن الحارث: (اعلم)، قال: ما أعلم يا رسول الله؟ قال: (اعلم يا بلال)!، قال: ما أعلم يا رسول الله؟ قال: (إنه من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي، فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن ابتدع بدعة ضلالة لا ترضي الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئاً) قال أبو عيسى هذا حديث حسن. فعدم الاحتفال وعدم تجميع الناس لسماع سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو: (بدعة ضلالة لا ترضي الله ولا رسوله) صلى الله عليه وآله وسلم، والمعترض على الاحتفال (عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئاً). لأنه لا يريد سماع آيات القرآن تتلى في فضل الرسول صلى الله وآله وسلم أو رواية السيرة النبوية والأحاديث النبوية وتجميع الناس لسماعهم.
4- إن الاحتفال بالمناسبات النبوية هو رفع لمكانة وقدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نفوس الأمة والأجيال وتحقيقاً لقوله تعالى:(وَرَفَعْنَا لكَ ذِكْرَكَ) (الشرح:4) والعكس بالعكس!!!. والمعاكس المشاكس وقع في المحظور. 5- احتفال القرآن بالأحداث التاريخية النبوية فأصبحت قرآنا يتلى على مر الزمان، فمثلاً احتفال القرآن: آ- بيوم الفرقان يوم الانتصار المؤزر في أول واقعة قتال بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمشركين في بدر، فقال سبحانه ممتناً على المسلمين بنصره وتأييده: (وَلقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لعَلكُمْ تَشْكُرُونَ) (آل عمران:123) (وَمَا أَنْزَلنَا عَلى عَبْدِنَا يَوْمَ الفُرْقَانِ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ وَاللهُ عَلى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الأنفال:41) هو من قبيل الاهتمام والاحتفال بذلك اليوم. ب- وبيوم الإسراء نزل القرآن في افتتاح سورة كاملة سميت بالإسراء: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1) سورة الإسراء. وانطلق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى الناس فرحاً مستبشراً بالإسراء يبلغ الناس بها. ج- وبغزوة أحد، والأحزاب وفتح مكة وحنين وغيرها من الأحداث. 6- إن الله تعالى حذر الأمة المسلمة مما وقع فيه أهل الكتاب من الغلو في الدين، والغلو يكون في التحريم والتبديع والتضليل، وحذر من اتباع الهوى في تصدير الفتاوى، لأن ذلك منهج أهل الضلال: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) (المائدة:77) وتحريم الاحتفال بالمناسبات النبوية من الغلو في التحريم الذي لا أساس له في الدين، ومخالف لمنهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ففي صحيح البخاري ج1/ص23 -باب الدين يسر وقول النبي صلى الله عليه وسلم أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة- : عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا؛ وقاربوا؛ وأبشروا؛ واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة). قال النووي في كتابه رياض الصالحين ج1/ص54: وفي رواية له: (سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة القصد القصد تبلغوا)( ). والتيسير في الفتوى منهج نبوي كريم، ففي صحيح البخاري ج3/ص1306 عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها). فتحريم المباح من التشدد في الدين وليس من التيسير، والله أعلم.
7- إن الله تعالى قص على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بين الفينة والأخرى في مسار الدعوة النبوية قصص الأنبياء والرسل لتثبيت قلبه، فمن باب أولى رواية السيرة النبوية على المسلمين لتثبيت أفئدتهم على الإيمان: (وَكُلاًًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (هود:120). وجعل الله تعالى تنزيل كتابه منجماً لتثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أي جعل له مناسبات لتنزيله، وفي كتب التفسير وعلوم القرآنم يوجد مبحث أسباب نزول القرآن، أي كانت الآيات تتنزل لمناسبة معينة، فلنتقدي بالقرآن، ، بالاحتفال بالمناسبات النبوية والإسلامية لتثبيت أفئدة المسلمين: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً) (الفرقان:32). 8- رواية القصص الإيمانية في المناسبات النبوية والإسلامية تنفيذ لأمر الله تعالى: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (لأعراف:176) وإن إجابة الدعوة للاحتفال بالمناسبات النبوية من باب إجابة دعوة الداعي إلى الله تعالى، فعند الإعلان عن الاحتفال بالمناسبة النبوية إنما هي بمثابة الإعلان لسماع كلمة الإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (الاحقاف:31) وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْدُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الاحقاف:32). والذي لا يستجيب هو الآثم، فكيف بالذي يحرم أو يبدع أو يضلل ذلك، فكيف ستكون عقوبته من الله تعالى، ومن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وبأي وجه سيلاقي وجه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟!. 9- إن أخبار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو أعظم شعيرة في الإسلام، والله تعالى أمرنا بتعظيم شعائره فقال سبحانه:( وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ {32} وقال تعالى: (وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30). قال الإمام الحليمي في شعب الإيمان : (إن التعظيم منزلة فوق المحبة ، فحق علينا أن نحبه ونبجله ونعظمه أكثر من إجلال عبد لسيده .. إلى أن قال : وبمثل هذا نطق الكتاب ووردت أوامر الله تعالى بالآيات والأحاديث) انتهى( ) .
10- إن القرآن الكريم دعا الأمة إلى إظهار الفرح على فضل الله أينما وجد على وجه الإطلاق بدون أي تخصيص أو تقييد: (قُل بِفَضْل اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلكَ فَليَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس:58) وإن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو أعظم فضل وهدية من الله تعالى إلى الإنسانية جميعاً، حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا الرحمة المهداة) أي هدية من الله إلى الانسانية، فلا بد من إظهار الفرح بكل حياته بدءاً من الولادة التي سبقها إرهاصات النبوة للتنبيه على قرب ولادته، وحتى انتقاله إلى الرفيق الأعلى.
11- إن القرآن الكريم دعا الأمة إلى التذكر والتذكير والاعتبار بأيام الله تعالى التي حصل فيها حوادث إيمانية، وأمر بتذكير الناس بها: )وَلقَدْ أَرْسَلنَا مُوسَى بِآياتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذَلكَ لآياتٍ لكُل صَبَّارٍ شَكُورٍ) (ابراهيم:5). فقوله تعالى (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ ) فالتذكير بأيام الله تعالى أمر رباني، والاحتفالات من قبيل التذكير بأيام الله تعالى التي نصر فيها رسوله وعزز مكانته، وإن ذلك من الآيات الباهرة التي يحتاجها الداعي إلى الله تعالى لتزيده من الصبر والشكر في مسيرة دعوته ابتغاء وجه الله تعالى.
12- إن الرسول عندما هاجر إلى المدينة المنورة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، وكان قبل هجرته يصومه في مكة، ثم تركه بعد أن فرض رمضان، ثم عاد لصومه تكريماً ليوم نجاة سيدنا موسى فيه: كما روى البخاري في صحيحه أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الجَاهِليَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ يَصُومُهُ، فَلمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ). ثم وجد اليهود يصومونه فسأل عن سبب صومهم، فقالوا: هذا يوم نجا الله فيه موسى من فرعون، فما كان من الرسول إلا أن أحيا هذه الذكرى ولم يمتها: فروى البخاري في صحيحه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَال قَدِمَ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَال: (مَا هَذَا؟)، قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى قَال: (فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ) فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ). وأضاف إليها يوماً آخر لكي يخالف اليهود فروى مُسْلم في صحيحه عَنْ اِبْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال: (لئِنْ بَقِيت إِلى قَابِلٍ لأَصُومَن التَّاسِعَ فَمَاتَ قَبْل ذَلكَ). فإحياؤه صلى الله عليه وآله وسلم ذكرى يوم نجاة سيدنا موسى عليه السلام دليل على الاهتمام بأيام الله تعالى. وقد توسع ابن حجر العسقلاني في بيان هذا الحديث فقال في شرحه في فتح الباري ما يلي: قَال القُرْطُبِيُّ : لعَل قُرَيْشًا كَانُوا يَسْتَنِدُونَ فِي صَوْمه إِلى شَرْعِ مَنْ مَضَى كَإِبْرَاهِيمَ، وَصَوْم رَسُول الله صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُون بِحُكْمِ المُوَافَقَةِ لهُمْ كَمَا فِي الحَجِّ، أَوْ أَذِنَ اللهُ لهُ فِي صِيَامِهِ عَلى أَنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ، فَلمَّا هَاجَرَ وَوَجَدَ اليَهُود يَصُومُونَهُ، وَسَأَلهُمْ وَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ اِحْتَمَل ذَلكَ أَنْ يَكُون ذَلكَ اِسْتِئلافًا لليَهُودِ كَمَا اِسْتَأْلفَهُمْ بِاسْتِقْبَال قِبْلتِهِمْ، وَيَحْتَمِل غَيْر ذَلكَ . وَعَلى كُلّ حَال فَلمْ يَصُمْهُ اِقْتِدَاءً بِهِمَا فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومهُ قَبْل ذَلكَ وَكَانَ ذَلكَ فِي الوَقْت الذِي يُحِبُّ فِيهِ مُوَافَقَة أَهْل الكِتَاب فِيمَا لمْ يُنْهَ عَنْهُ . وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلم مِنْ طَرِيق أَبِي غَطَفَان بْن طَرِيفٍ قال سَمِعْت اِبْن عَبَّاس يَقُول: صَامَ رَسُول الله صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَاشُورَاء وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: إنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ اليَهُود وَالنَّصَارَى " الحَدِيثَ . وَاسْتُشْكِل بِأَنَّ التَّعْليل بِنَجَاةِ مُوسَى وَغَرَق فِرْعَوْنَ يَخْتَصُّ بِمُوسَى وَاليَهُود، وَأُجِيبَ بِاحْتِمَال أَنْ يَكُون عِيسَى كَانَ يَصُومُهُ وَهُوَ مِمَّا لمْ يُنْسَخْ مِنْ شَرِيعَة مُوسَى لأَنَّ كَثِيرًا مِنْهَا مَا نُسِخَ بِشَرِيعَةِ عِيسَى لقَوْلهِ تَعَالى: ( وَلأُحِل لكُمْ بَعْضَ الذِي حُرِّمَ عَليْكُمْ ) وَيُقَال: إِنَّ أَكْثَر الأَحْكَام الفَرْعِيَّة إِنَّمَا تَتَلقَّاهَا النَّصَارَى مِنْ التَّوْرَاة . وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَد مِنْ وَجْه آخَر عَنْ اِبْن عَبَّاس زِيَادَة فِي سَبَب صِيَام اليَهُود لهُ وَحَاصِلُهَا أَنَّ السَّفِينَة اِسْتَوَتْ عَلى الجُودِيِّ فِيهِ فَصَامَهُ نُوحٌ وَمُوسَى شُكْرًا، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الإِشَارَةُ لذَلكَ قَرِيبًا، وَكَأَنَّ ذِكْرُ مُوسَى دُون غَيْره هُنَا لمُشَارَكَتِهِ لنُوحٍ فِي النَّجَاةِ وَغَرَقِ أَعْدَائِهِمَا) انتهى. فثبت بما سبق أن يوم عاشوراء يوم نجا الله فيه سيدنا نوح وموسى فصامه سيدنا نوح وسيدنا إبراهيم وسيدنا موسى وسيدنا عيسى وسيدنا محمد عليهم الصلاة والسلام، أي صامه خمسة من أولي العزم من الرسل عليه الصلاة والسلام، وصامته الأمة الإسلامية بعده فدل على الاهتمام به، والاحتفال به بالصوم، كما أنه أصبح فيما بعد يوم اكتساب سبط الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سيدنا الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما السيادة لشباب أهل الجنة، لأنه بانتقاله شهيداً إلى عالم الآخرة، حاز جائزة سيد شباب أهل الجنة، ولقاؤه بأحبابه جده صلى الله عليه وآله وسلم والرسل عليهم الصلاة والسلام ووالديه وأخيه والصحابة رضوان الله عليهم والمؤمنون، واستحق وسام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه سيد الشهداء أيضاً: أخرج الحاكم في المستدرك على الصحيحين ج3/ص215 عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر؛ فأمره ونهاه فقتله) صحيح الإسناد ولم يخرجاه( ). ولا يصح ما أورده بعضهم بأنه خرج على خليفة المسلمين، فإن الإمام الحسين رضي الله عنه من أهل الحل والعقد، له حق الاعتراض. والذين يعتبرونه يوم حزن إنما حزنهم على تقصيرهم في نصرته عندما خذلوه في وعودهم ومواثيقهم لنصرته فتثاقلوا عنها، وتركوه وأهل بيته الأطهار وحيداً فريداً وجهاً لوجه أمام خصومه، فكان رضي الله عنه الذبح العظيم، النحر ثم الذبح، فداء لأجداده عبد الله والد الرسول وإسماعيل عليهم السلام: ولتصدق نبوءة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في اتباع أهل الكتاب، والتي منها قتل اليهود للأنبياء: (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ )(البقرة: من الآية61). فوقعت الأمة سنيها وشيعتها في قتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ففي صحيح البخاري ج3/ص1274 عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه)، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: (فمن؟) ورواه مسلم في صحيحه. فكان أن قتل واستشهد الإمام الحسين رضي الله عنه وأرضاه، وما نقول إلا ما يرضي ربنا: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (الأحزاب:38)، وقوله تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر:49) ولا اعتراض على قضاء الله تعالى، وكل من قام بقتله وأعانه عليه وكل من قصر في نصرته وتخاذل سيحاسبه الله تعالى ولا نملك نحن شيئاً، ونفوض أمرنا إلى الله تعالى (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (غافر:44). ولا نملك إلا أن نقول كما قال سيدنا يعقوب عندما تآمر عليه أبناؤه بأخذ أخيهم ورميه في الجب: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) (يوسف:18) فلا بد من الصبر الجميل وليس شق الجيوب وضرب الرؤوس، وإسالة الدماء، وقتل الأنفس فتلك توبة اليهود: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة:54)، والحمد لله أننا لم نشهدها فنتركها إلى الله تعالى ليحكم بها وهو أعدل الحاكمين: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (البقرة:134). 13- إن الاحتفال بالمناسبات النبوية نوع من التوقير والتعزيز لمكانة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النفوس وهو امتثال لقوله تعالى: (لتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الفتح:9). وفي الاحتفال يحصل كل ذلك، وتغرس المعاني القيمة من حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في نفوس الحاضرين والمستمعين.
14- إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم خرج مع أصحابه في أول مهرجان دعوي، وفي أول موكب جماهيري، وفي أول فرح إيماني عندما أسلم سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فخرج من دار الأرقم بن أبي الأرقم في صفين: الأول يتقدمهم سيدنا حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه عم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والثاني سيدنا عمر ين الخطاب رضي الله عنه، وفي الوسط يتقدمهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فطافوا شوارع مكة، ومن ثم طافوا حول الكعبة المشرفة، وهم يكبرون (أي يقولون الله أكبر) ويهللون (أي يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله). فكان ذلك مشهد فيه كل معاني الفرح والتحدي والموكب المهيب، ونقطة تحول الدعوة من سرية إلى علنية. فالحركة الجماعية والمواكب ودعوة الجماهير لإظهار الفرح بالمناسبات النبوية تسير مع هذا الموكب النبوي، فلو أن ناساً خرجوا بعد الاحتفال بأي مناسبة نبوية أو قبل الاحتفال وساروا في موكب جماهيري في الطرقات والشوارع يكبرون ويهللون لكان لهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدوة وأسوة، فليحيوا هذه السنة الميتة، إن كانوا محبين للسنة النبوية فعلاً، وإنا لمنتظرون. 15- عدم إنكار سيدنا عمر رضي الله عنه، على اليهودي عندما عبر عن اتخاذ العيد ليوم نزول آية قرآنية كريمة، فبين سيدنا عمر رضي الله عنه أن نزولها كان يوم عرفة وهو يوم احتفال بل أكبر احتفال على مدار كل سنة في كل مرة يتكرر يوم عرفة، فالتجمع الإيماني في الوقوف على جبل عرفات يوم الحج، بل هو ركنه الأساسي فيقاس عليه كل التجمعات والاحتفالات بأيام الله تعالى والمناسبات النبوية: أخرج البخاري في صحيحه عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلاً مِنْ الْيَهُودِ-وفي رواية هو كعب الأحبار بَيَّنَ ذَلِكَ مُسَدَّد فِي مُسْنَده وَالطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَط - قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا)، قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ) ورواه مسلم وغيره. وقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري : فَإِنْ قِيلَ : كَيْف طَابَق الْجَوَاب السُّؤَال لِأَنَّهُ قَالَ : لَاِتَّخَذْنَاهُ عِيدًا، وَأَجَابَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِمَعْرِفَةِ الْوَقْت وَالْمَكَان، وَلَمْ يَقُلْ جَعَلْنَاهُ عِيدًا ؟ وَالْجَوَاب عَنْ هَذَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أُخْرَيَات نَهَار عَرَفَة، وَيَوْم الْعِيد إِنَّمَا يَتَحَقَّق بِأَوَّلِهِ، وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاء إِنَّ رُؤْيَة الْهِلَال بَعْد الزَّوَال لِلْقَابِلَةِ، قَالَهُ هَكَذَا بَعْض مَنْ تَقَدَّمَ. وَعِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَة اِكْتَفَى فِيهَا بِالْإِشَارَةِ، وَإِلَّا فَرِوَايَة إِسْحَاق عَنْ قَبِيصَة الَّتِي قَدَّمْنَاهَا قَدْ نَصَّتْ عَلَى الْمُرَاد وَلَفْظه " نَزَلَتْ يَوْم جُمُعَة يَوْم عَرَفَة وَكِلَاهُمَا بِحَمْدِ اللَّه لَنَا عِيد " لَفْظ الطَّبَرِيّ وَالطَّبَرَانِيّ " وَهُمَا لَنَا عِيدَانِ " وَكَذَا عِنْد التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس " أَنَّ يَهُودِيًّا سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : نَزَلَتْ فِي يَوْم عِيدَيْنِ، يَوْم جُمُعَة وَيَوْم عَرَفَة " فَظَهَرَ أَنَّ الْجَوَاب تَضَمَّنَ أَنَّهُمْ اِتَّخَذُوا ذَلِكَ الْيَوْم عِيدًا وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة، وَاِتَّخَذُوا يَوْم عَرَفَة عِيدًا لِأَنَّهُ لَيْلَة الْعِيد، وَهَكَذَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث الْآتِي فِي الصِّيَام " شَهْرَا عِيد لا يَنْقُصَانِ : رَمَضَان وَذُو الْحِجَّة " فَسُمِّيَ رَمَضَان عِيدًا لِأَنَّهُ يُعْقُبهُ الْعِيد . فَإِنْ قِيلَ : كَيْف دَلَّتْ هَذِهِ الْقِصَّة عَلَى تَرْجَمَة الْبَاب ؟ أُجِيبَ مِنْ جِهَة أَنَّهَا بَيَّنَتْ أَنَّ نُزُولهَا كَانَ بِعَرَفَة، وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَجَّة الْوَدَاع الَّتِي هِيَ آخِر عَهْد الْبَعْثَة حِين تَمَّتْ الشَّرِيعَة وَأَرْكَانهَا . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ جَزَمَ السُّدِّيّ بِأَنَّهُ لَمْ يَنْزِل بَعْد هَذِهِ الْآيَة شَيْء مِنْ الْحَلَال وَالْحَرَام).
16- تسمية القرآن لفضل الله تعالى بالعيد، والاجتماع على طعام الفرح بالعيد: قوله تعالى حكاية عن عيسى بن مريم عليهما السلام : (ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين )) (المائدة : 114) ونحن من الآخر. قال الشيخ إسماعيل حقي في روح البيان (2/446) عند هذه الآية : "أي يكون يوم نزولها عيدا نعظمه ، وإنما أسند ذلك إلى المائدة لأن شرف اليوم مستفاد من شرفها" انتهى. 17- الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو المنة العظمى على المؤمنين وعلى البشرية فيجب إظهار حبه وتوقيره في كل المناسبات وفي كل آن: قال الله تعالى: (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) (آل عمران : 164).
ثالثاً- المناقشة العقدية لمن يحرم المباحات مطلقاً: 1- إن الذي يحرم ما أباحه الله تعالى جعل نفسه نداً لله تعالى لأن التحريم يكون بنص آية أو بحديث نبوي، ألم يقل الله تعالى: (أَمْ لهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ..) (الشورى:21) فالتشريع من حق الله تعالى.. وقال سبحانه: (وَلا تَقُولُوا لمَا تَصِفُ أَلسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لتَفْتَرُوا عَلى اللهِ الكَذِبَ إِنَّ الذِينَ يَفْتَرُونَ عَلى اللهِ الكَذِبَ لا يُفْلحُونَ) (النحل:116). وقوله تعالى: (..وَمَنْ لمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَل اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ) (المائدة:44) (وَمَنْ لمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَل اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالمُونَ) (المائدة:45) (وَمَنْ لمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَل اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ)(المائدة: من الآية47) فالذي يقول هذا حرام بغير نص جعل نفسه نداً لله تعالى والعياذ بالله تعالى، وحكم بغير ما أنزل الله. وإن الله تعالى بين وفصل المحرمات فلا يجوز لأحد أن يزيد عليها إلا بشروط اجتهادية أصولية معروفة وذلك بالقياس على علة تحريمها إن كانت معللة: (..وَقَدْ فَصَّل لكُمْ مَا حَرَّمَ عَليْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِليْهِ وَإِنَّ كَثِيراً ليُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلمُ بِالمُعْتَدِينَ) (الأنعام:119). (قُل تَعَالوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَليْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالوَالدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ التِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالحَقِّ ذَلكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لعَلكُمْ تَعْقِلُونَ) (الأنعام:151) 2- ثم ألم يأت الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله حد حدوداً فلا تعتدوها، وفرض لكم فرائض فلا تضيعوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وترك أشياء من غير نسيان من ربكم ولكن رحمة منه لكم فاقبلوها ولا تبحثوا فيها) رواه الحاكم في مستدركه 4/129 والبيهقي في سننه 10/12. وفي رواية الطبراني في المعجم الصغير2/250: (وسكت عن كثير من غير نسيان فلا تتكلفوها رحمة من الله فاقبلوها) فكيف يحرم المعترض ما تركه الله رحمة من غير نسيان؟!، ولماذا يتكلف البعض رحمة الله ويردها، مخالفاً صراحة الآيات والأحاديث النبوية السابقة؟!!. 3- من يحرم ما أحل الله، ويحلل ما حرم الله تعالى يدعوا الناس لعبادته شخصياً من دون الله تعالى: ففي تفسير ابن كثير ج2/ص:172 قال السدي في تفسير هذه الآية:(وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَليْهِ وَإِنَّهُ لفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ ليُوحُونَ إِلى أَوْليَائِهِمْ ليُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لمُشْرِكُونَ) (الأنعام:121): إن المشركين قالوا للمسلمين: كيف تزعمون أنكم تتبعون مرضاة الله، فما قتل الله فلا تأكلونه، وما ذبحتم أنتم تأكلونه فقال الله تعالى: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ) في أكل الميتة: (إِنَّكُمْ لمُشْرِكُونَ) وهكذا قاله مجاهد والضحاك وغير واحد من علماء السلف وقوله تعالى: ( وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لمُشْرِكُونَ)(الأنعام: من الآية121) أي حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره فقدمتم عليه غيره فهذا هو الشرك كقوله تعالى (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ) الآية. وقد روى الترمذي في سننه 3095 في تفسيرها عن عدي بن حاتم أنه قال: يا رسول الله ماعبدوهم! فقال: (بلى، إنهم أحلوا لهم الحرام، وحرموا عليهم الحلال، فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم). وأسند ابن عبد البر في كتابه (جامع بيان العلم وفضله) إلى عوف الأشجعي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها على أمتي فتنة قوم يقيسون الدين برأيهم، يحرمون ما أحل الله، ويحلون ما حرم الله). فقد حدد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرأي الفاسد بالقياس الفاسد الذي يحرم ما أحل الله تعالى. وروى الدارمي في سننه والبيهقي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لا يأتي عليكم عام إلا وهو شر من الذي كان قبله، أما إني لست أعني عاماً أخصب من عام، ولا أميراً خيراً من أمير، ولكن علماؤكم وخياركم وفقهاؤكم يذهبون، ثم لا تجدون منهم خلفاً، ويجيء قوم يقيسون الأمور برأيهم). فدل ما سبق ذكره أن تحريم الحلال واتباع الناس للعالم الذي حرم ما أحل الله هو العبادة لغير الله تعالى، وهو الشرك، فالأمر جد خطير في تحريم المباح، فالمحظور الذي يحذرون الناس منه وقعوا فيه من غير أن يشعروا وصدق الله تعالى إذ يقول: (وَإِذَا قِيل لهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلحُونَ) (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) (12) وَإِذَا قِيل لهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَم | |
|
الحيالي خمروي مشرف
عدد الرسائل : 3119 العمر : 55 الموقع : منتدى دولة الفقراء العمل/الترفيه : اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك المزاج : هادئ تاريخ التسجيل : 17/11/2010
| موضوع: رد: التأصيل الشرعي في جواز الأحتفال بالمناسبات النبوية الشريفة 2012-09-12, 11:16 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(اللهم صلي صلاةً كاملةً وسلم سلاماً تاماً على سيدنا محمد الذي تنحل به العقد وتنفرج به الكرب وتقضى به الحوائج وتنال به الرغائب وحسن الخواتم ويستسقى الغمام بوجهه الكريم وعلى آله وصحبه وسلم في كل لمحة ونفس بعدد كل معلوم لك(
محمد اشرف الأعراب والعجم********محمد خير من يمشي على قدم
ياقُبة ياخضراءُ مالك فتنتينا بجمــالك
قالت جمالي بِمُحَمـَدٍ نَوَر جميع الممالك
أبو خمرة يادستور ********ذخر لنا وعالي السور
شكرا أخي في الله سيد قحطان العيثاوي جعلك الله من أحباؤه وحببك إلى خلقه
اللهم اجعلنا من متبعي سنة نبيه المصطفى
وبارك الله فيك ومثواك الجنة إنشاء الله تعالى
وجزاك الله خير الجزاء | |
|