النصيحة للمسلم بتعلم العلم

النصيحة للمسلم بتعلم العلم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
وبعد : أيها المسلمون :
يقول الله تعالى في كتابه الكريم : { أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون
والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب } وقال تعالى : { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات }
وقال تعالى : { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط } وقال تعالى : { أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب }
. من هذه الآيات الكريمات يتبين شرف العلم وأهله الذين عملوا به ، وحرصوا عليه غاية الحرص ، وجاهدوا أنفسهم في تحصيله ، واعتنوا بحفظه ،
وتفرغوا لطلبه ، وأخلصوا لله عز وجل في تعلمه ، وقاموا بما أوجبه الله عليهم تجاهه ، من العمل به وتبليغه للناس ،
فلم يكتموه والناس في حاجة إليه خوفاً من قول المولى عز وجل : { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولائك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون }
، وحذراً من أن يقعوا في ما وقع فيه أهل الكتاب ، كما أخبر الله عنهم :
{ وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون }

أخي المسلم :
إن الآيات والأحاديث التي تبين فضل العلم الشرعي وشرفه ، وفضل أهله وشرفهم ، لكثيرة جداً وسنذكر ما تيسر من ذلك ، لعل الله عز وجل أن يأخذ بنواصينا إلى الخير ، ويجعلنا من أهله .
1ـ إن الله تعالى استشهد العلماء دون غيرهم على توحيده :
قال تعالى : { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم }
ففي هذه الآية استشهد الله أهل العلم دون غيرهم من الناس ليدل على فضلهم ، وأنه قرن شهادته بشهادتهم وقرن شهادتهم بشهادة الملائكة ، فضمن بذلك تزكيتهم وتعديلهم
، لأن الله عز وجل لا يستشهد من خلقه إلا العدول ا.هـ مفتاح دار السعادة لابن القيم .
2ـ العالم والجاهل لا يستويان : قال تعالى : { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب } . 3ـ أمر الله الناس بالرجوع إلى أهل العلم وسؤالهم عما أشكل عليهم : قال تعالى: { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } .
4ـ الجاهل بمنزلة الأعمى : قال تعالى:{ أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب} .5ـ رفعة درجات أهل العلم :
قال تعالى :{ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات }. 6ـ أهل العلم هم أهل الخشية : قال تعالى : { إنما يخشى الله من عباده العلماء } .
7ـ أمر الله بطاعة العلماء : قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } فأولوا الأمر هم العلماء والأمراء على الصحيح .
8 ـ العلم حياة ونور: قال تعالى : { أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها } وقال تعالى : { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم } وغير ذلك من الآيات
.9 ـ أمر الله بالتزود من العلم : فقال سبحانه :{ وقل رب زدني علماً }.10 ـ من يؤت العلم فقد أوتي الحكمة : قال تعالى { يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراًً } قال ابن قتيبة والجمهور : الحكمة هي إصابة الحق والعمل به ، وهي العلم النافع والعمل الصالح .
11ـ الخيرية في العلم : قال صلى الله عليه وسلم : [ من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ] متفق عليه من حديث معاوية ، وقال أيضاً: [ خيركم من تعلم القرآن وعلمه ] رواه البخاري عن عثمان.
وقال: [ خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا ] متفق عليه عن أبي هريرة .
12ـ العلم رفعة لصاحبه في الدنيا : قال صلى الله عليه وسلم : [ إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين ] رواه مسلم من حديث عمر .
13ـ العلماء ورثة الأنبياء : قال صلى الله عليه وسلم : [ وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً ولكن ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر ] رواه أبو داود والترمذي عن أبي الدرداء ، وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 6297 ) .
14ـ العالم أفضل من العابد : قال صلى الله عليه وسلم : [ وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ] صحيح الجامع (6297 ) ، وقال أيضاً : [ وفضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ] رواه الترمذي عن أبي أمامة وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (78 ) .
15ـ وضع الملائكة أجنحتها لطالب العلم وإحفافها به : قال صلى الله عليه وسلم : [ وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع ] أخرجه الأربعة ، وقال أيضاً : [ إن طالب العلم لتحف به الملائكة وتظله بأجنحتها فيركب بعضها بعضاً حتى يبلغ السماء الدنيا من حبهم لما يطلب ] .
قال الإمام مالك – رحمه الله – قوله " تضع " يعني تبسطها بالدعاء لطالب العلم بدلاً من الأيدي ا.هـ وقال ابن القيم : في الحديث الأول " تضع " وفي الثاني " تحف " فالوضع تواضع وتوقير وتبجيل ، والحف حفظ وحماية وصيانة ا.هـ مفتاح دار السعادة .
16ـ استغفار من في السموات والأرض للعالم : قال صلى الله عليه وسلم : [ وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء ] صحيح الجامع (6297 ) ، وقال أيضاً [ وإن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في بحره ليصلون على معلمي الناس الخير ] صحيح الترغيب (78 ) .
17ـ العلم طريق إلى الجنة : قال صلى الله عليه وسلم : [ من سلك طريقا ً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة ] رواه مسلم عن أبي هريرة .
18ـ العلم يستثني صاحبه من اللعن : قال صلى الله عليه وسلم : [ الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه ، أو عالماً أو متعلماً ] رواه الترمذي عن أبي هريرة . صحيح الجامع ( 3414) .
19ـ التقدّم بالعلم الشرعي : قال صلى الله عليه وسلم : [ يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ..] الحديث رواه مسلم عن أبي مسعود البدري . قال ابن القيم : فقدم في الإمامة فضيلة العلم على تقدم الإسلام والهجرة ولما كان العلم بالقرآن أفضل من العلم بالسنة لشرف معومه على معلوم السنة قدم العلم به .. وهذا يدل على شرف العلم وفضله وأن أهله هم أهل التقدم إلى المراتب الدينية ا. هـ مفتاح دار السعادة ( 1/ 73 ) .
20ـ مباهاة الله الملائكة بطلبة العلم : روى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال : [ خرج معاوية إلى المسجد فقال : ما يجلسكم ؟ قالوا : جلسنا نذكر الله عز وجل ، فقال : آلله ما أجلسكم إلا ذلك ؟ قالوا : ما أجلسنا إلا ذلك ، قال : أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ، .. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال : ما يجلسكم ؟ قالوا : جلسنا نذكر الله ونحمده لما هدانا للإسلام ومنّ علينا بك ، قال : آلله ما أجلسكم إلا ذلك ؟ قالوا : ما أجلسنا إلا ذلك . قال : أما إني لم أستحلفكم تهمةً لكم ، إنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة . ]
21ـ إيواء الله تعالى لطالب العلم : روى الشيخان من حديث أبي واقد الليثي في قصة الثلاثة النفر الذين دخلوا المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه ، فأقبل اثنان وذهب واحد ، فأما أحدهما فرأى فرجة فجلس فيها ، وأما الآخر فجلس خلفهم ، وأما الثالث فأدبر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ألا أخبركم عن النفر الثلاثة ؟ أما أحدهم فآوى فآواه الله ، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه ، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه ] .
22ـ بقاء ثواب العلم بعد الموت : قال صلى الله عليه وسلم : [ إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ] رواه مسلم .

• ما جاء عن السلف في فضل العلم :

1- قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( العالم أعظم أجراً من الصائم القائم الغازي في سبيل الله ) ا.هـ الفقيه والمتفقه " 1/ 21 "
2- وقال أبو هريرة رضي الله عنه : ( لئن أعلم باباً من العلم في أمر أو نهي أحب إلي من سبعين غزوة في سبيل الله ) ا.هـ
3- وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : ( مذاكرة العلم ساعة خير من قيام ليلة ) ا.هـ
4- وقال الحسن البصري : ( لئن أتعلم باباً من العلم فأعلمه مسلماً أحب إلي من أن يكون لي الدنيا كلها فأنفقها في سبيل الله ا.هـ وقال : [ لولا العلماء لصار الناس كالبهائم ] منهاج القاصدين .
5- وقال مكحول : ( ما عُبد الله بأ فضل من الفقه ) ا.هـ
6- وقال الزهري : ( ما عُبدالله بشئٍ أفضل من العلم ) ا.هـ البداية والنهاية (9/345)
7- وقال عطاء : ( مجالس الذكر ، مجالس الحلال والحرام ، كيف يشتري ويبيع ، ويصوم ويصلي ويتصدق وينكح ويطلق ويحج ) ا.هـ الفقيه والمتفقه ( 1 /12 )
8- وقال ابن المسيب : ( ليست عبادة الله بالصوم والصلاة ولكن بالفقه في دينه ) ا.هـ
9- وقال الثوري : ( لا أعلم بعد النبوة أفضل من بث العلم ) ا.هـ تاريخ بغداد ( 10/ 160 )
10- وقال سفيان بن عيينة : ( أرفع الناس عند الله منزلةً من كان بين الله وبين عباده وهم الرسل والعلماء ) ا.هـ
11- وقال الشافعي : ( ليس شئ بعد الفرائض أفضل من طلب العلم ) ا.هـ
12- وقال الإمام أحمد: لا يثبط عن طلب العلم إلا جاهل ا.هـ من غذاء الألباب للسفاريني
ج 2 . وقال أيضاً : ( الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب ، وذلك لأن الرجل قد يحتاج إلى الطعام والشراب مرة أو مرتين ، أما حاجته للعلم فهي بعدد أنفاسه ا.هـ تهذيب مدارج السالكين ) ا.هـ
13- وقال ابن القيم : ( فأفضل ما اكتسبته النفوس ، وحصلته القلوب ، ونال العبد به الرفعة في الدنيا والآخرة هو العلم والإيمان ، ولذا قرن بينهما سبحانه في قوله : { وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث } وقوله تعالى : { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } الآية ، وهؤلاء خلاصة الوجود ولبه ، والمؤهلون للمراتب العليّة ) ا.هـ من الفوائد . وقال أيضاً : ( والإنسان إنما يتميز عن غيره من الحيوانات ، بفضيلة العلم والبيان ، وإلا فغيره من الدواب والسباع أكثر أكلاً منه ، وأقوى بطشاً منه ، وأكثر جماعاً وأولاداً ، وأطول أعماراً وإنما مُيِّز على الدواب والحيوانات بعلمه وبيانه ، فإذا عدم العلم بقي معه القدر المشترك بينه وبين سائر الدواب وهي ( الحيوانية المحضة ) فلا يبقى فيه فضل عليهم ، بل قد يبقى شراً منهم !! والمقصود أن الإنسان إذا لم يكن له علم لما يصلحه في معاشه ومعاده ، كان الحيوان البهيم خيراً منه !! لسلامته في المعاد مما يهلكه ، دون الإنسان الجاهل ) ا.هـ مفتاح دار السعادة ( 1/ 78 ) .

منقول