وَفَاةُ الْعَابِدِ أَبِي جَهِيرٍ الْبَصْرِيِّ عِنْدَ سَمَاعِهِ الْقُرْآنِ - من المنتخب من كتاب الزهد والرقائق
المؤلف : أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي
- أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحُرْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ السِّمْسَارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّحْوِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِنْتِ هُشَيْمٍ، حَدَّثَنَا أُبو الْحَجَّاجِ نَصْرُ بْنُ طَاهِرٍ، بِالْبَصْرَةِ، قَالَ: سَمِعْتُ صَالِحًا الْمُرِّيَّ، يَقُولُ: وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ الْفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ الدَّقَّاقُ: وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاعِظُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى أَبُو سَعِيدٍ الْخَرَّازُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُتَّلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ مُحْرِزٍ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، وَسِياقُ الْحَدِيثِ لِلْخَرَّازِ، قَالَ: قَالَ لِي مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: أُغْدُ عَلَيَّ يَا صَالِحٌ إِلَى الْجَبَّانِ، فَإِنِّي قَدْ وَعَدْتُ نَفَرًا مِنْ إِخْوَانِي بِأَبِي جَهِيرٍ مَسْعُودٍ الضِّرِيرِ نُسَلِّمُ عَلَيْهِ قَالَ صَالِحٌ الْمُرِّيُّ: وَكَانَ أَبُو جَهِيرٍ هَذَا رَجُلًا قَدِ انْقَطَعَ إِلَى زَاوِيةٍ يَتَعَبَّدُ فِيهَا، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ الْبَصْرَةَ إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَرْجِعُ مِنْ سَاعَتِهِ، قَالَ: فَغَدَوْتُ لِمَوْعِدِ مَالِكٍ إِلَى الْجَبَّانِ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى مَالِكٍ وَقَدْ سَبَقَنِي، وَإِذَا مَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ، وَكَانَ وَاللَّهِ سَيِّدًا، وَإِذَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ وَحَبِيبٌ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ قَدِ اجْتَمَعُوا، قُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ يَوْمُ سُرُورٍ قَالَ: فانْطَلَقْنَا نُرِيدُ أَبَا جَهِيرٍ، قَالَ: وَكَانَ مَالِكٌ إِذَا مَرَّ بِمَوْضِعٍ نَظَيِفٍ، قَالَ: يَا ثَابِتُ، صَلِّ هَا هُنَا لَعَلَّهُ أَنْ يَشْهَدَ لَكَ غَدًا قَالَ: وَكَانَ ثَابِتٌ يُصَلِّي،
قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا مَوْضِعَهُ فَسَأَلْنَا عَنْهُ، فَقَالُوا: الْآنَ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ فَانْتَظَرْنَاهُ، قَالَ: فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَجُلٌ إِنْ شِئْتَ قُلْتَ: قَدْ نُشِرَ مِنْ قَبْرِهِ قَالَ: فَوَثَبَ رَجُلٌ فَأَخَذَ بِيَدِهِ حَتَّى أَقَامَهُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَمْهَلَ يَسِيرًا ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَقَامَ الصَّلَاةَ فَصَلَّيْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ جَلَسَ كَهَيْئَةِ الْمَهْمُومِ، فَتَوَافَدَ الْقَوْمُ فِي السَّلَامِ عَلَيْهِ، فَتَقَدَّمَ مُحَمدُ بْنُ وَاسِعٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ لَا أَعْرِفُ صَوْتَكَ قَالَ: أَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، قَالَ: مَا اسْمُكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؟ قَالَ: أَنَا مُحَمدُ بْنُ وَاسِعٍ قَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا، أنْتَ الَّذِي يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْبَصْرَةِ: إِنَّكَ أَفْضَلَهُمْ لِلَّهِ، أَنْتَ إِنْ قُمْتَ بِشُكْرِ ذَلِكَ، اجْلِسْ فَجَلَسَ فَقَامَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ مَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؟ قَالَ: أَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ قَالَ: مَرْحَبًا بِكَ يَا ثَابِتٌ، أَنْتَ الَّذِي يَزْعُمُ أَهْلُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ أَنَّكَ مِنْ أَطْوَلِهِمْ صَلَاةً، اجْلِسْ فَلَقَدْ كُنْتُ أَتَمَنَّاكَ عَلَى رَبِّي، قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ حَبِيبٌ أَبُو مُحَمَّدٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ: مَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؟ قَالَ: أَنَا حَبِيبٌ أَبُو مُحَمَّدٍ، قَالَ: مَرْحَبًا بِكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَنْتَ الَّذِي يَزْعُمُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَنَّكَ لَمْ تَسْأَلِ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاكَ، فَهَلَّا سَأَلْتَهُ أَنْ يُخْفِي لَكَ ذَلِكَ، اجْلِسْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ قَالَ: وَأَخَذَ بِيَدِهِ وَأَجْلَسَهُ إِلَى جَنْبٍ، قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالِ:
مَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؟ قَالَ: أَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: بَخٍ بَخٍ أَبَا يَحْيَى، إِنْ كُنْتَ كَمَا يَقُولُونَ أَنْتَ الَّذِي يَزْعُمُ هَؤُلَاءِ أَنَّكَ أَزْهَدُهُمُ اجْلِسْ فَالْآنَ تَمَّتْ أُمْنِيَتِي عَلَى رَبِّي فِي عَاجِلِ الدَّنْيَا، قَالَ صَالِحٌ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ لِأُسَلِّمَ عَلَيْهِ، فَأقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ، فَقَالَ: انْظُرُوا كَيْفَ تَكُونُونَ غَدًا بَيْنَ يَدَيِّ اللَّهِ فِي مَجْمَعِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ، وَقَالَ: مَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؟ فَقُلْتُ: أَنَا صَالِحٌ المُرِّيُّ، قَالَ: أَنْتَ الْفَتَى الْقَارِئُ، أَنْتَ أَبُو بِشْرٍ؟ قَلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: اقْرَأْ يَا صَالِحُ، فَلَقَدْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ قِرَاءَتَكَ قَالَ صَالِحٌ: فَحَضَرَنِي وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَدْ فَقَدْتُهُ، فابْتَدَأْتُ، فَقَرَأْتُ فَمَا اسْتَتْمَمْتُ الِاسْتِعَاذَةَ حتَّى خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ إِفَاقَةً، فَقَالَ: عُدْ فِي قِرَاءَتِكَ يَا صَالِحٌ، فَإِنِّي لَمْ أَقْطَعْ نَفْسِي مِنْهَا وَرُبَّمَا قَالَ صَالِحٌ: وَرَأَيْتُ شَيْئًا عَجِيبًا لَمْ أَرَهُ مِنْ أَحَدِ الْمُتَعَبِّدِينَ، كَانَ إِذَا سَمِعَ الْقُرْآنَ فَتَحَ فَاهُ، قَالَ: فَعُدْتُ فَقَرَأْتُ : {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} ، قَالَ: فَصَاحَ صَيْحَةً، ثُمَّ انْكَبَّ لِوَجْهِهِ وَانْكَشَفَ بَعْضُ جَسَدِهِ فَجَعَلَ يَخُورُ كَمَا يَخُورُ الثَّوْرُ، ثُمَّ هَدَأَ فَدَنَوْنَا مِنْهُ، نَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ قَدْ خَرَجَتْ نَفْسُهُ كَأَنَّهُ خَشَبَةٌ قَالَ: فَخَرَجْنَا فَسَأَلْنَا هَلْ لَهُ أَحَدٌ؟ قَالُوا: عَجُوزٌ تَخْدُمُهُ تَأْتِيهِ الْأَيَّامَ، فَبَعَثْنَا إِلَيْهَا، فَجَاءَتْ، فَقَالَتْ: مَا لَهُ قُلْنَا: قُرِئَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فَمَاتَ، قَالَتْ: حَقٌّ وَاللَّهِ، مَنْ ذَا الَّذِي قَرَأَ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّهُ صَالِحٌ الْقَارِئُ هُوَ الَّذِي قَرَأَ عَلَيْهِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَمَا يُدْرِيكِ مَنْ صَالِحٌ؟ قَالَتْ: لَا أَعْرِفُهُ غَيْرَ أَنِّي كَثِيرًا مَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَقُولُ: إِنْ قَرَأَ عَلَيَّ صَالِحٌ قَتَلَنِي قُلْنَا: فَهُوَ الَّذِي قَرَأَ عَلَيْهِ قَالَتْ: هُوَ الَّذِي قَتَلَ حَبِيبِي فَهَيَأْنَاهُ وَدَفَنَّاهُ، رَحِمَهُ اللَّهُ "